حسا ن حيدر/رئيس «من صنع حزب الله»

حتى ما قبل التدخل السوري في العام 1976 كنتيجة لحرب اهلية ساهمت دمشق في تأجيجها، كان اختيار الرئيس اللبناني يتم وفق توازن داخلي وخارجي هش، يترافق مع تأكيد مختلف الاطراف حرصهم على حياد لبنان إزاء المسائل الاقليمية الشائكة. وشكلت تجربة الرئيس كميل شمعون الذي رعت مصر جمال عبدالناصر «انتفاضة شعبية» ضده للاشتباه بانحيازه الى «حلف بغداد» خير دليل على هشاشة هذا التوازن.

وكان الفرقاء الداخليون متساوين في القوة، او بالاحرى في الضعف، والفوارق بينهم غير حاسمة، وولاءاتهم موزعة بين الطائفة والعائلة والحليف الاقليمي، بحيث لا يستطيع اي منهم الإخلال بالتوازن عبر ايصال رئيس يستجيب معايير قوة اقليمية معينة وحدها.

لكن سورية خرقت هذا التوازن عندما تحولت بعد احتلالها لبنان وتطويعها الفلسطينيين فيه، قوة مقررة غالبة في الشأن اللبناني، وصارت لها الكلمة العليا في اختيار الرئيس رغم انها راعت في البداية مطالب ومصالح قوى اقليمية ودولية نافذة حرصت آنذاك على عدم الاصطدام بها.

غير ان هذه المراعاة انقلبت في وقت لاحق تفرداً، سرعان ما تكرس مع وراثة بشار الأسد الحكم في دمشق، وإصراره على خرق الإجماع الداخلي والاقليمي بالتمديد للرئيس السابق اميل لحود، الى ان خرجت سورية من لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري الذي عارض هذا التمديد، وتخلت تدريجاً عن جزء كبير من نفوذها لمصلحة ايران وممثلها على الارض «حزب الله».

اليوم، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي، يتحدث «حزب الله» عن «فرصة حقيقية لصنع رئيس في لبنان ولإنجاز الاستحقاق الرئاسي بقرار داخلي وطني». لكن هذا الكلام لا يعكس في الحقيقة حرص الحزب على القرار الوطني اللبناني الذي يعمل فيه تهشيماً منذ نشأته، بل يكشف اصراره على الإمساك بهذا القرار لأنه يمتلك من السلاح والمقاتلين والتمويل ما يجعل منه قوة داخلية مقررة وليس مجرد طرف بين الاطراف. اي ان الحديث عن دور اكبر للعوامل الداخلية من قبل حزب لا يتوانى عن تأكيد التزامه بسياسة طهران وتعليماتها، هدفه الفعلي الإخلال بالتوازن الوطني وليس تعزيزه، والتحكم باختيار الرئيس ومواصفاته وتحديد خياراته مسبقاً وحصرها بما يتماشى مع سياساته وارتباطاته الايرانية والسورية.

وفي هذا الاطار، يصبح ترشح سمير جعجع الذي اغاظ الحزب، محاولة مبكرة لمنع هذا التفرد بالقرار الوطني، ولإعادة بعض التوازن الى اللعبة السياسية بدلاً من الاستسلام لغلبة السلاح.

وما يعنيه كلام الامين العام لـ «حزب الله» عن ان تجاوز موعد الاستحقاق الرئاسي في 25 الشهر المقبل لا يخيفه ولا يقلقه، هو انه اذا لم يستطع الحزب ايصال مرشحه الى قصر بعبدا فلن تكون هناك انتخابات، بانتظار ان يخضع الحريصون على عدم حصول فراغ، او على عدم استمراره طويلاً في حال حصوله، لمعاييره في اختيار الرئيس.

اما عدم قلق الحزب فمرده الى انه ممثل بقوة في الحكومة الحالية التي قد تكلف بإدارة فترة الفراغ الرئاسي، وأجرى «بروفات» عدة على قدرته على التحكم بقرارها، اولاً بعدما ماطل كثيراً في تشكيلها الى ان نجح في إلغاء التحفظات عن مشاركته في القتال في سورية، وثانياً عندما عطّل اتخاذ اي قرار فيها لا ينال رضاه

Related posts

السمهوري: ماذا بعد إبلاغ إسرائيل الامم المتحدة قطع العلاقات مع الاونروا؟

فيهم صُفرة تعلوها قَتَرَة* بشار جرار

أيا كان اسم الرئيس* ماهر أبو طير