عروبة الإخباري – ابراهيم الحطاب – تطرح ندوة تطور العلوم الفقهية، التي جاءت تحت عنوان”الفقه الإسلامي: المشترك الإنساني والمصالح”، قضايا متعددة وهامة. وترمي إلى محاولة التأكيد على أن المشترك الإنساني قادر على إرساء جسور من التواصل المتينة على الرغم من الاختلافات الفقهية والمذهبية والثقافية والدينية.
تناقش ندوة تطور العلوم الفقهية “الفقه الإسلامي: المشترك الإنساني والمصالح” في سلطنة عمان، التي تقام بتوجيهات من السلطان قابوس بن سعيد، منظومة القيم القرآنية في الفقه وأصوله بالنظر إليها في إطار الوحي الإلهي.
وتواصلت الندوة ولليوم الثالث على التوالي فكانت الورقة الأولى للدكتور مصطفى الحفيان حول موضوع: “مصطلحات حقوق الإنسان ومفاهيمها بين الإعلان العالمي والفكر الإنساني” ، حيث أشار في مطلعه أهمية ضبط المصطلحات خاصة أنها تضبط مع سياقاتها الواردة، وقد عرج في بحثه مسهبا في ذكر نظرية المقاصد عند الشاطبي من متقدمي علماء الإسلام الذي استعمل مصطلحي:حقوق العباد ومصالح العباد، إذ إن المقاصد قائمة على المصالح التي تقضي على المفاسد.
ثم إن الباحث عقد مقارنة بين نظرية الإسلام للإنسان ونظرية الغرب للإنسان مبينا أن الإسلام هو الذي يمنح الحقوق للإنسان بصورة منتظمة، إضافة إلى أن مصطلح حقوق الإنسان لم يظهر في الغرب إلا متأخرا أما قبل القرن الثامن عشر فقد كان يذكر بوصف الحقوق الطبيعية أو حقوق الأفراد، وقد ختم بحثه بذكر جملة من الملحوظات المهمة المتعلقة بالبحث.
أما الورقة الثانية فقد كانت حول “حقوق الإنسان في الوثائق الدولية” للدكتور مصطفى أرشوم، حيث وجه بداية كلمة شكر وتقدير للوزارة نظير إتاحة الفرصة له للمشاركة بالندوة.
ثم إنه ابتدأ بحثه ببيان أهمية مقارنة الجانب النظري للحقوق بغض النظر عن الجانب التطبيقي للحكام والمحكومين، وقد عرج على ذكر جملة من نماذج الوثائق المبثوثة في تاريخ التشريع الإسلامي كوثيقة المدينة التي تعتبر أول دستور في حقوق الإنسان، وخطبة حجة الوداع وعهد نجران وهكذا وثيقة أبي بكر الصديق وخطاب أبي موسى الأشعري في القضاء وغيرها من الوثائق.
وقد ختم ببيان جملة من الحقوق التي يمكن استخلاصها من تلكم الوثائق كحق الجوار وحق العدل وحرية الفكر وحرية المعتقد وحق الأمن وغيرها.
أما الورقة الثالثة الختامية من ورقات هذه الجلسة فقد كانت للدكتور إسماعيل الأغبري، وكانت حول : “حقوق الإنسان من خلال فقهاء عمان”،حيث بدأ بالإشارة إلى نصين من نصوص المتقدمين عند الإباضية كان أولهما لأبي الحسن البسيوي في القرن الرابع الهجري في جامعه، أما الثاني فقد كان للإمام سعيد بن عبدالله الرحيلي، ثم إنه سرد جملة من المواقف التي عاشها الإباضية في دولهم المختلفة تطبيقا لتلكم القيم والمبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان.
ومما ذكره من مواقف موقف الإمام الجلندى بن مسعود من شيبان الصفري وتعامله مع السفاح العباسي، كما أشار إلى موقف طالب الحق وما فعله مع ولاة بني أمية على اليمن وإنفاذه لأموال أهل اليمن في أصحابها، كما أنه ذكر موقف الإمام سعيد بن عبدالله الرحيلي مع يوسف بن وجيه الباغي الذي دخل نزوى فتعامل معه الإمام بإنصاف ظاهر.
الجلسة الحادية عشرة
قدمت بهذه الجلسة أربعة بحوث، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
كانت الورقة البحثية الأولى للدكتور محمود مصطفى عبود آل هرموش بعنوان “فقه المشترك الإنساني في الفقه العماني ابن بركة” حيث تحدث عن ابن بركة وحديثه عن المقاصد الكلية في الإسلام كحفظ الدين الذي تجلى عنده عند حديثه عن الصلاة والزكاة وسائر التشريعات التعبدية، إضافة إلى ذلك فقد تحدث عن حفظ النفس كما تحدث عن القصاص والديات وما أشبه ذلك.
أما حفظ المال فقد نال الجزء الأكبر من كتابه مما يقرب ثلاثة أرباع الكتاب نظرا إلى طول باع ابن بركة الاقتصادي الفذ الذي برز في جوانبه الأصولية والتقعيدية البارزة، خاصة أن الربا مفسد يتداخل والكثير من العقود المالية.
أما الورقة الثانية فقد كانت حول “فقه المشترك الإنساني في الفقه الشافعي “الغزالي وابن عبدالسلام أنموذجا” “، للدكتور عبدالعزيز العوضي مبتدأ بذكر الأساس التكويني لوحدة المشترك في القرآن والسنة، ثم عرج على ذكر مقاصد الشريعة الكلية منبها على الحاجيات وبروزها في تأصيل قاعدة المشترك.
ثم أسهب في ذكر الأساس العملي للمشترك عند الشافعية ضمن القضايا العملية ويمكن التأسيس عليها في تضييق المختلف فيه مع ضرورة وجوب حماية المخالف وتأمين هذه الحماية.
وقد كانت الورقة الثالثة حول موضوع “فقه المشترك الإنساني في الفقه عن الظاهرية “ابن حزم أنموذجا” ” للدكتور فريد هادي، حيث طرقت ورقته في البداية بيان أن ما وسمت به الظاهرية من السطحية في الطرح وعدم العمق يحتاج إلى مراجعة فهو من حيث التقعيد ليس سليما البتة، ثم إنه عرض مستفيضا في بيان منهج ابن حزم الأصولي معرجا على موضوع مهم وهو اعتبارات ابن حزم في رد الروايات كمخالفتها لبعض المعلومات التاريخية ومخالفتها للواقع ولاحتوائها على المبالغة غي الممكنة ولمخالفتها أصلا ثابتا متفقا عليه، وغير ذلك مما بينه في بحثه.
أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فقد كانت للدكتور عبدالرحمن الكيلاني والتي طرقت موضوع “فقه المشترك الإنساني في الفقه عند المالكية “الشاطبي والقرافي أنموذجا” “، حيث بدأ بذكر القواعد العامة التي قررها أعلام الإسلام في بيان المشترك الإنساني كالمصالح الضرورية.
فالحفاظ على النفس مثلا هو حفاظ على جملة من الحقوق كحق الكرامة وتحقيق الحرية .
وختم بذكر الإمام الشاطبي وما بينه من أن حفظ النفس ليس حقا للإنسان وحده فقط وإنما هو حق المجتمع بأكمله.
الجلسة الثانية عشرة
قدمت بهذه الجلسة الأخيرة في الفترة الصباحية أربعة بحوث، يمكن إجمالها في النقاط التالية:
كانت الورقة البحثية الأولى للشيخ هلال اللواتي بعنوان “فقه المشترك الإنساني في الفقه عند الإمامية “النائيني والأنصاري أنموذجا” ” حيث بدأ ببيان أن تحديد احتياجات الكائن الحي يظهر معالم فقه المشترك.
وقد ذكر الفقه الأنصاري مبينا أن الكثير من الحوزات العلمية الموجودة الآن تعتمد على هذا الفقه، وقد بني هذا الفقه أصالة إلى مبدأ العدل والعدالة، وقد قسمه إلى ثلاث مراحل الصغرى والوسطى والكبرى مبينا مدلولها، وقد ذكر ما قاله الشيخ المبلغي من أن وصول المرء إلى مستوى عال من حضور أسماء الله تعالى وصفاته في نفس المرء.
وختم بذكر ما سطره العلامة النائيني -مما لم يجده الباحث عند العلامة الأنصاري- الذي بين أمر الحكومة والسلطة وأنها من أهم مبادئ المشترك الإنساني، إضافة إلى أن العلامة النائيني بين حق الحياة وكونها مشتركا أنسانيا ويتعلق بها حق آخر وهو حرمة الإضرار بالغير ومن هنا بين أن علماء الإسلام بنوا على ذلك حرمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل حسب كلام الباحث.
أما الورقة الثانية فقد كانت حول “فقه المشترك الإنساني في الفقه عند الزيدية “ابن المرتضى والحسن الجلال أنموذجا” “، للشيخ عبدالله العزي مبتدأ بذكر أن مصطلح المشترك الإنساني جديد من حيث التقعيد والبيان، غير انه أصيل من حيث المضمون .
ثم إن الباحث بين ضرورة بيان هذه المشتركات للجمهور أمر في غاية الأهمية، ذلك أن بعض الناس قد يتسبب في الإضرار بالغير نتيجة أفكار سلبية، وقد أشاد بالندوة في أعوامها السالفة لأنها تميزت بنشر هذه الأفكار بشكل متزن.
ثم بين أهم معالم المشترك كما هو في الفقه العام، ثم خصص الحديث ليبين هذه المعالم في الفقه الزيدي نتيجة تولي الزيدية الحكم في بعض الأعصار.
ثم عرج على بيان بعض أعلام الزيدية الذين كان لهم القدح المعلى في بيان هذه المشتركات، كالعلامة ابن المرتضى والحسن الجلال، وذكر عشرة من المشتركات من ذلك : المساواة في دية الإنسان المسلم والذمي والمجوسي والمعاهد، وحق الحفاظ على حياة المدنيين وحرمة رفات الإنسان بعد موته.
وقد كانت الورقة الثالثة حول موضوع “فقه المشترك الإنساني في الفقه عند الإباضية “الإمام محمد أطفيش والإمام السالمي أنموذجا” ” للدكتور محمد الشيخ، حيث طرقت ورقته في مطلعها ذكر بعض من دون في علم المقاصد وبين قواعده كالعز بن عبدالسلام وغيره من أعلام الإسلام .
ثم أسهب في بيان تعاضد الفقه مع علم الفلسفة مقسما أعلام الإسلام إلى الفقيه الفيلسوف والفيلسوف الفقيه، معرجا على ذكر أن العقل والشرع يجتمعان في تفصيل المصلحة للمجتمع البشري، وقد ذكر الباحث نصا للراغب الأصفهاني يبين مدلول العقل والشرع في بيان المصلحة والمشترك الإنساني، كما أن الباحث ذكر ابن رشد وما قدمه في تصانيفه الفقهية الفلسفية التي نظرت إلى النظر إلى الفقه الإسلامي في إطار المصلحة مع اعتبار الظروف المعيشية والتاريخية.
ثم عرج على ذكر الإباضية وما سطروه في فقه المشترك كما هو عند قطب الأئمة الذي اهتم بالمصلحة في تقرير الأحكام الشرعية كالنظر إلى حياة الإنسان نظرة واقعية، ثم ذكر النور السالمي مشيرا إلى رسالته للشيخ سليمان باشا الباروني وما جاء فيها من قيم تهم المشتركات الإنسانية.
وختم بذكر بعض الحدود التي قيدها أحكاما وتفصيلا العلامتان القطب والسالمي مبينا أنهما أبناء بيئتهما التي عاشا فيها، ولو قدر لهما العيش اليوم لتغير فكرهما.
أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فقد كانت للدكتور خالد سعيد تفوشيت والتي طرقت موضوع “فقه المشترك الإنساني في فقه التعارف والمعرفة والاعتراف عند الشيخ علي يحيى معمر والشيخ أحمد الخليلي أنموذجا”، حيث بدأ بالتعريف بالشيخين، ثم بين مدلول المفاهيم المتعلقة بالبحث حول الاعتراف والتعارف من منظور واسع يشمل الأمة عموما.
وبين الباحث أن التعايش بين الأمة لا يتحصل إلا بالتعارف والاعتراف بين أبناء الأمة والإنسانية قاطبة، وقد أشار إلى جملة من الأقوال التي تنسب للعالمين مبينا أن العلامة الخليلي هو عالم الوحدة الإسلامية من خلال كتاباته وحضوره الفاعل في الفعاليات الجماهيرية العامة والخاصة، أما العلامة علي يحيى معمر فقد كان رائد مبدأ المعرفة والتعارف والاعتراف وكان يسعى قدر وسعه لنبذ التسميات المذهبية ليكون الإسلام مجمعا لكل المسلمين.
وختم بذكر منطلقات التعايش عند الشيخين، مبتدأ بذكر التقوى الذي يجمع ولا يفرق، وكذلك الأخوة الإنسانية التي تجمع المسلم وغيره على بساط واحد، كما أن الباحث بين المبادئ الثلاثة في مطالب خاصة ببحثه.