عُمان .. مسيرة صاعدة وأعلام واع /سلطان الحطاب

عروبة الإخباري – مسقط –  خاص – باستلام الوزير الدكتور عبد المنعم الحسني حقيبة وزارة الاعلام  قبل اكثر من سنتين كان لا بد  ان يواجه الاعلام العماني استحقاقات جديدة فرضتها تطورات الواقع العماني الذاتية والظروف الموضوعية في المحيط والاقليم حيث أصابت المتغيرات الكثير من مكونات النظام العربي في بعده السياسي ووصلت الى ابعاد اجتماعية وثقافية حيث أثرت وسائل  التواصل الاجتماعي ورسائله على الاجيال الجديدة ودفعتها باتجاهات الاستفادة مما هو قائم في العالم .. ومن هنا اضطربت مواقع وصمدت عُمان..

الوزير الحسني التقط التوجيه السلطاني والتقط الرسالة التي لا بد من نشرها وإشاعتها وهي رسالة المواكبة والتفهم والاحتواء على قاعدة الحوار والنزول الى الشارع والذهاب الى التجمعات الشبابية والجامعات وقد رفع شعار ” الشباب هم أمل الوطن ودعامته الراسخة” مجسدا فهمه لهذه  المهمة  وأخذه بمضامينها من خلال اللقاء بفعاليات ملتقى الشباب العماني في دورته الثالثة..

ولأن المعرفة قوة “والمعرفة ثروة لا تنضب” ولأنها وسيلة البناء والشراكة في الحياة الانسانية المعاصرة في انحيازاتها فقد ظل الوزير الحسني يؤكد على ذلك ويعمل على فك ارتباط الاعلام بالمضامين التقليدية التي لا تحترم الحوار وعقلية المواطن  والتي تأخذ باسلوب الاملاء والتسليم والقفز عن الحقائق..

كان على الاعلام العماني ان يخطو خطوات واسعة على مختلف الأصعدة وفي كل رسائله وعبر وسائله العديدة ليواكب المتغيرات التي أخذت تتكون من رؤية المواطن العماني ونظرته للحياة والواقع وفي نفس الوقت من رؤية السلطان قابوس الرائدة حيث لاقت هذه الرؤية المواطن العماني في منتصف الطريق لتجدد الأخذ بيده نحو أهدافه بمسؤولية وكرامة وحرص  وتضعه حيث يجب أن يكون في المساهمة في خدمة وطنه والارتقاء به..

الوزير لديه ذائقة انسانية رائقة  فهو باحث في علوم التصوير والصورة ومتخصص في ذلك ولذا يدرك من خلال تجربته التفاصيل كما يدرك المضمون والاطار..

في الحوار الذي استمعت فيه لأفكار الوزير الحسني أدركت عمق حرصه على أن تصل الرسالة العمانية الى الخارج على صورتها الطبيعية دون زيادة او نقص لانها قائمة من الواقع ومستجيبة له ومترجمة لمكوناته .. فالانسان العماني بما يملك من رصيد تاريخي ومن تراكم خبراتي في التعامل مع الطبيعة التي جعلته يعتمد على النفس ظل قادرا على الدفاع عن مكاسبه بوعي ولم تجرفه العوامل والمتغيرات السريعة لتبعده عن ثوابته كما فعلت بالكثيرين في عالمنا العربي..

ولذا جاء “الحراك” العماني عاقلا وداعيا مؤمنا بالحوار ومستفيدا منه.. فكان التعامل معه حضاريا وقد كنت استمعت لرؤية وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي قبل أكثر من سنة  حين التقيته في حوار تلفزيوني مؤكدا على أهمية ان يجسر المسافة بين الاجيال العُمانية وأن يأخذ الشباب دورهم ومكانتهم وأن تصلهم رؤية القيادة صافية وان تصل افكارهم الى قيادتهم دون حواجز او رتوش .. كان لدى الوزير بن علوي رؤية واضحة في ذلك عبّر عنها وهي مستندة الى رؤية السلطان قابوس الذي ظل يؤمن دائما ان من حق الشباب ان يعبروا عن انفسهم في خدمة وطنهم وان يأخذوا طريقهم باتجاه المشاركة لأن المجتمعات الفتية لا بد ان تبلغ اهدافها .. ولأن المواطن هو الوسيلة والغاية..

في عُمان ما يستحق  الكتابة عنه ليس لجهة الواقع المجرد فقط وانما لجهة تفاعل الانسان العماني مع واقعه وقدرته على تطويره فالسنوات الأكثر من اربعين الماضية حملت عُمان الى حالة جديدة مميزة .. فقد انطلقت البلاد من الصفر لتبلغ ما بلغت في سجل الانجاز الذي هو أشبه بالمعجزة.

ميزة عُمان أنها تطبق شعار الاعتماد على النفس أكثر من الحديث عنه وقد أجرت على ذلك تمارين حقيقية حين واجهت التسونامي وعوامل طبيعية مرافقة فلم تضج او تصخب وإنما ارتدت مؤقتا على نفسها و “حكت جلدها بظفرها” ولم تنتظر المساعدات أو تراهن عليها واستطاع العمانيون ان يخرجوا من المحنة في امتحان الاعتماد على النفس وبكفاءة ومنذ تلك اللحظة والعماني يحتسب عمله لوطنه ويراهن على امكانياته حيث ما زال السلطان قابوس يحدو الركب ويؤشر الى المستقبل وهو الرائد الذي لا يكذب أهله .. وطوال أكثر من أربعة عقود ..

لدى عًمان وقيادتها وشعبها فائض الوقت والجهد للعمل من أجل الامة وخدمتها ليس بالخطابة كما يفعل الكثيرون ولا بالوعود المفرطة كما نسمع وكما هي سمة الواقع العربي الصعب ولكن بالعمل المثمر وعلى نحو ” ندوة تطور العلوم  الفقهية ” وندوات عديدة أخرى وكذلك الاسهام الصامت في تأكيد أن العمل يفرض نفسه ويعلن عن نفسه..

المرتكزات التاريخية والحضارية والعقائدية وحتى المذهبية جعلت لعُمان دورا مميزا إتسم بالمصداقية وصواب الرؤية وأن يجد لغير القادر عذرا بعيدا عن المزايدة والمناقصة او التدخل في شؤون الآخر.

قد يكون ما اكتبه انطباعات أكثر منه وقوفا على التحليل  وأخذا بمناهجه العلمية ولكني اتوقف عند التجربة العمانية التي اراها الاكثر توازنا والاكثر نفعا لاهلها ولمن اراد الاستفادة منها لان الكثير من التجارب العربية ذهبت جفاءا وكانت كالزبد او كالسراب الذي تعجب رؤيته ولا يدرك مضمونه ولعل الانعطاف التي ادركت فيها اهمية تجربة عمان الحديثة جاءت من خلال معرفتي بسفير سلطنة عمان السابق في الاردن  الشيخ مسلم البرعمي الذي ظل يبسط التجربة العمانية ببساطة ومحبة في الناس فوجد في الاردنيين كثيرا من المحبين لها والمقدمين لصيرورتها وقد كنت منهم حتى اذا ما غامت التجارب الاخرى فاندفعت او قصرت ظهرت ملامح التجربة العمانية وقدرتها على الاستقلالية والوعي .

عمان الان اكثر قدرة على تحديد اهدافها واكثر تصريحا عن هذه الاهداف سواء داخل مجلس التعاون الخليجي او خارجها فهي لا تصنع الاعداء لان الاخرين يصدرونهم لها او يصنعونهم لتشتريهم ولا تقبل الاصدقاء بالاملاء او لمصالح تكتيكية وانما تبقى نوافذها مفتوحة وابوابها مشرعة طالما دخل الهواء والشمس الى اركانها وجغرافيتها دون ضرر او ضرار وقد كلفها هذا الموقف النابع من ايرادتها الكثير حتى اكدته واصلته وتميزت به منذ ادركت انها لن تجلس في ظل احد غير سيادتها ولن تكون تحت ابط احد غير ابط كرامتها وانجازها وان ما يحدد اصدقائها واعدائها هو مصالحها التي لا تخشى في سبيلها غضب احد او تطع في رضى احد ..

من يقرأ  تجربة عمان يفخر بها ويراها موصلة ويامل ان تعمم ويستفيد منها الاخرون فمازالت قادرة على الصعود والعطاء ..

 معالي وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي

 معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام في سلطنة عُمان

سعادة السفير العماني السابق لدى الأردن الشيخ مسلم البرعمي          

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير