عروبة الإخباري – رغم الجولات المكثفة والحوارات المتواصلة والجهود الكبيرة، لم يتمكن السيد جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، لغاية الآن من “ردم الهوة” بين الفلسطينيين والإسرائيلي بسبب الرفض والصلف الإسرائيلي، ويبدو أن خرق إسرائيل للاتفاق المتعلق بالإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى المعتقلين ما قبل أوسلو وتأجيل قرار أطلاق سراحهم لأكثر من تسع مرات، بالإضافة إلى الوضع الداخلي الفلسطيني، كلها أسباب دفعت بالقيادة إلى البدء بالانضمام للمؤسسات وللمعاهدات الدولية، والتسريع في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وتشكيل وفد للاتصال مع حركة حماس من أجل إنهاء الانقسام.
لم تكن خطوة تشكيل وفد من قيادات فلسطينية للتوجه إلى حركة حماس من أجل إنهاء الانقسام، قفزة في الهواء، بل هي خطوة تكمل خطوات سابقة في الاتجاه الصحيح، في ظل متغيرات داخلية ووضع فلسطيني حرج، ولحظة تاريخية مفصلية تتطلب تحصين الجبهة الداخلية من أجل التعامل مع استحقاقات المرحلة القادمة، محليا وإقليميا ودوليا.
إن تهيئة الأجواء فلسطينيا وعربيا من أجل نجاح مهمة هذا الوفد، هو أمر ضروري وملح وحاجة وطنية وسياسية، لان الظروف القائمة لا تحتمل أي فشل أو بوادر فشل في هذه المهمة، التي أصبحت أكثر الحاحا مما مضى، بسبب اللحظة التاريخية والمصيرية التي يمر بها المشروع الوطني الفلسطيني.
فهناك حاجة وضرورة أن تتحمل كافة الأطراف الفلسطينية مسؤولياتها الوطنية والتاريخية، وتنهي هذا العار الوطني، لكي نؤسس لمرحلة تاريخية ونضالية جديدة، تكون أحدى ركائزها الاتفاق على برنامج وطني تحرري، توزع فيه الأدوار والمهمات بما يخدم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتسخير كل الطاقات والإمكانيات من أجل تحقيق هذا الهدف.
المطلوب هو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة، وهذا الأمر في الحسابات الوطنية هو حق وواجب؛ من أجل الانطلاق إلى الفضاء الأرحب عربيا وإقليميا ودوليا، واخذ زمام المبادرة في الساحة الدولية الداعمة للحق الفلسطيني إن لم تكن رسميا فشعبيا على أقل تقدير، ومن خلالها نستطيع العمل على فك الحصار عن قطاع غزة الحبيب، وحماية أهلنا في مخيمات اللجوء، وبخاصة في مخيمات سوريا وتحديدا مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني، وتكثيف وتعزيز ودعم حركة المقاطعة الدولية لإسرائيل كدولة احتلال.
إن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة، وبخاصة فيما يتعلق بإجراء الانتخابات بكافة مستوياتها سيجدد الحياة الديمقراطية الداخلية، ويعطي الشرعية التي أصبحت مفقودة منذ زمن، وسيعيد بناء “العقد السياسي”، مما يؤهلنا إلى معاودة أخذ زمام المبادرة، وخوض معركة الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين وفق القرار رقم 194، مستندين بهذا الفعل إلى وحدتنا الوطنية الحقيقية، متسلحين بقرارات الشرعة الدولية، ومبادرة السلام العربية التي وافقت عليها (57) دولة عربية وإسلامية، ولا تزال تشكل إطارا مقبولا، عربيا وإقليميا ودوليا، للوصول إلى السلام والأمن في المنطقة.
إن القرار الذي أجمعت عليه القيادة الفلسطينية بكامل أعضائها، وأعلنه الرئيس أبو مازن في خطابه أول أمس، يشكل قاعدة مهمة لإعادة بناء طبيعة التحركات القادمة داخليا وخارجيا، فالوضع الفلسطيني غاية في الصعوبة والتعقيد، فلا يكفي أن ندرك – نحن الفلسطينيون – بأن إسرائيل هي من لا يريد السلام، وتتنكر ليس فقط لوعودها بل أيضا للحقوق الفلسطينية بشكل عام، بل علينا أن نعمل لكي نقنع العالم أجمع بهذه الحقيقة، وهذا يتطلب منا ترتيب بيتنا الداخلي، والتعويل على قدراتنا الذاتية، وإعادة صياغة مرتكزات علاقاتنا الخارجية مع دول العالم، وتعزيز وتوطيد علاقاتنا بالدول العربية وبخاصة الشقيقة الكبرى مصر، بحيث نضمن ليس فقط شبكة أمان عربية، سياسية ومالية، بل أيضا دعم ومساندة أكبر عدد ممكن من دول العالم الأخرى.
فلسطين أكبر من جميعا، وحماية المشروع الوطني يتطلب من الكل الفلسطيني الوقوف في وجه جميع السياسات التي تحاول إلغاء وجودنا وحقنا في هذه الأرض وعليها، ونؤكد على أن الالتفات إلى الوضع الداخلي في هذه المرحلة قضية هامة وملحة فلا بد من إنهاء الانقسام وانجاز المصالحة، وتنظيم خلافاتنا من اجل تقوية جبهتنا الداخلية، ولا بد أيضا من تعزيز ودعم المقاومة الشعبية السلمية المثمرة، ومواصلة بناء جبهة دعم وتضامن دولية شعبية من أجل فضح الاحتلال وممارسته العنصرية وملاحقته على الجرائم التي ارتكبها.