فيصل عاكف الفايز / وحدات وفيصلي

ما دفعني إلى كتابة هذا المقال، هي تلك الاحدات السيئة والمؤسفة التي وقعت خلال مباراة كرة القدم، بين فريقي الفيصلي والوحدات، والتي لم يعد من المقبول السكوت عنها، وعن جملة الظواهر المشينة التى رافقتها، والتداعيات التي خلفتها، خاصة وان المباراة أصبحت حديث المجالس والبيوت، والكل يطالب بحلول ناجعة ورادعة، تحول دون تكرار ما يحدث دائماً في هذه المباراة.
وكما يعرف الجميع، فان المفهوم العام للرياضة هو العمل على التقريب بين أفراد المجتمع الواحد، وبين الشعوب المختلفة الأجناس والأديان، من خلال دعوتها إلى تبني المنافسة الشريفة، وبناء الاخلاق الحميدة، والسمو بالنفس وغرس القيم النبيلة الخلاقة والمبدعة والبناءة، لكن هل ما رافق مباراة الفريقين الاخيرة، بل أغلب المباريات التى تجمعهما، يُعبرُ عن هذه القيم وهذا المفهوم؟ بالطبع لا، وهذا الشعور لمسته عند الجميع ممن التقيتهم.
لقد أصبحت مباريات الناديين عنوانا للفتنة، ومسرحاً لتغذية الكراهية، ومدخلاً يحاول البعض من خلالة هدم نسيجنا الوطني، والعبث بوحدتنا الوطنية والأساءة لرموزنا الوطنية، ويسعى البعض أيضاً من جمهور الفريقين إلى نفث سمومه الكريهة المتمثلة بالاقليمية البغيضة والتلاعب بعواطف شبابنا، ولا ينتهي الامر عند هذا الحد، بل تخترق سمعك الالفاظ والكلمات النابية البذيئة والقذرة، التى تأبى الأذن النظيفة ان تسمعها، ويأبى الانسان الشريف ان يتفوه بها، ناهيكم عن اليافطات المسيئة التى تُرفع والعبارات التى تطلق وتمس الشعور الوطني والديني، وكل هذا الحُمق والجنون يمارس دون قصاص رادع، ودون اتخاذ خطوات عملية تمنع تكراره.
هل من المعقول، وفي ظل هذه الحالة المرفوضة رياضياً وشعبياً ومجتمعياً أن تبقى الأحداث التي تُرافق مباريات الناديين تمر دون محاسبة حقيقية؟ وإلى متى يبقى نفرا قليل من الطرفين يعبث بوحدتنا الوطنية؟ وهل السكوت على الهتافات العنصرية والاشارات البذيئة أصبح فضيلة؟ ألا تستحق مشاعر الغضب التي عبر عنها الاردنيون جميعاً حيال ما جرى في المباراة، وقفة جادة وإجراءات حقيقية تقطع يد كل من يعبث بامننا واستقرارنا ووحدتنا؟.
ولنتذكر معاً أحداث الشغب التي وقعت بين الناديين أواخر العام 2010، التي أصيب بها عدد من المواطنين، وشكلت الحكومة انذاك لجنة تحقيق للوقوف على حقيقة ما جرى، لكننا لم نسمع حتى اللحظة شيئاً عن النتائج، التي توصلت إليها اللجنة، لذلك لانريد لجان تحقيق “منزوعة الدسم”، فالذي نريده إجراءات عملية على الارض، تشكل رادعاً قوياً لكل العابثين والمتطاولين على الوطن ووحدته، وتحول دون ان تصبح ملاعبنا “أوكار فتنة “، فلا يجوز لنا ان ننسى أو نتناسى أن الأردن دولة قانون، وأن جميعنا حريصون على أمنه واستقراره ووحدتنا الوطنية خط أحمر، يجب ان تقطع يد من يعبث أو يتلاعب بها.
وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن حفنة قليلة، إندست بين صفوف الفريقين، أقل ما يمكن وصفها فيه بإنها حفنة خارجة عن “الملة”، فقد أسفنا أيضاً لقيام البعض بالاساءة لوحدتنا الوطنية، فالاصل بمثل هذه الاحداث، أن يكون الجميع مسؤولا.
أن ما حدث لا يعبر عن الخُلق الأردني، وهي أحداث غريبة عن مكونات الوطن الواحد الجامع، وعلينا جميعاً أن نعتبره حدثا معزولاً عن السياق الوطني، وأن ينظر الجميع إليه بوصفه فعلاً غريباً، ليس من شيم الأردنيين الحريصين على صورة الأردن المستقر الأمن والأنموذج في التكاتف ووحدة الصف والانسجام، وذلك إنطلاقا من قناعتنا الراسخة، التي تؤمن على الدوام بان العبث بالوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية لا يخدم إلاّ أعداء الوطن، ويعطيهم أرضية خصبة للإساءة إلينا، ولِنقَل أمراضهم وأزماتهم لوطننا لمعرفتهم بأن الأوطان التي تعاني جبهتها الداخلية من فوضى يسهل إختراقها والعبث بنسيجها.
إن معالجة أحداث الشغب هذه، أو ظاهرة شغب الملاعب، بشكل عام، أمر في غاية الأهمية والضرورة، ولا يكون العلاج فقط بالدعوة الى إيقاف الناديين عن اللعب أو حرمان جمهورهما من حضور أية مباراة تجمعهما، إنما المطلوب وقفة جادة وشجاعة تُجبر الأندية الرياضية على حث مشجعيها على الالتزام بالروح الرياضية.
ولعلاج الظاهرة فإن المطلوب أيضاً دعم الأندية الرياضية وتوفير الأمكانيات لها لتمكينها من إنتاج أجيال من المبدعين والمحترفين، وأن ترقى بوعي الاجيال وتفكيرها إلى المستوى الوطني الجامع والأعم، بعيداً عن أية أسس بغيضة، وهنا أتساءل: لما يغّيب الشعار الذي يحمله كل نادٍ بإنه (اجتماعي – ثقافي – رياضي)؟ فألاصل أن يفعل العمل الأجتماعي والثقافي كما الرياضي، وعلى الجهات المعنية ان تتحمل مسؤوليتها في هذا الاطار، بحيث تجبر الاندية على تفعيل هذا الشعار، من خلال دفعها لعقد ورش عمل وندوات للشباب الاردني، تركز على بناء الشخصية الاجتماعية الايجابية، وتغرس قيم الانتماء وتعزز المواطنة الحقة، ولأجل ذلك يجب ان يرتبط الدعم المالي الذي يقدم للأندية، بانجازاتها في المجال الاجتماعي والثقافي، وفي البناء الوطني، وليس في المجال الرياضي فقط.
وهنا أتساءل ايضا: من الذي يحق له أن يعتبر نادي الوحدات هو ممثل المكون الأردني من أصل فلسطيني؟ ومن الذي منح الحق بان يعتبر نادي الفيصلي ممثلاً للشرق أردنيين؟ واذا كان الامر كذلك، ماذا تمثل أندية الرمثا والبقعة وذات راس وغيرها من الأندية الأردنية؟.
إنني كما الاردنيين جميعاً، أعتزُ بكافة أنديتنا الرياضية من الشمال والوسط والجنوب، وقد كنا جميعاً في الأردن من مختلف اصولنا ومنابتنا نقف خلف منتخباتنا الوطنية، وكانت اخرها وقفتنا الكبيرة كصف واحد خلف منتخبنا الوطني لكرة القدم، عندما خاض التصفيات المؤهلة لكاس العالم في البرازيل، فكنا بذلك مثار إعجاب الجميع، فلم تشهد ساحتنا الوطنية حينها إلا كل ما يُعزز جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية، وكم كنت فخوراً عندما كان والدي المرحوم عاكف مثقال الفايز رئيسا لنادي الوحدات، فرئاسته للنادي جاءت من إيمانه المُطلق بان كافة انديتنا محل احترامنا وتمثلنا جميعاً، وقد كنت وابنائي نذهب الى نادي الوحدات، ويلعب ابنائي مع فرقه الرياضية، ولم نشهد حينها مثل هذه الاحداث المؤسفة، وكان التشجيع دائما للعب النظيف، وكان الكل في المدرجات يتغنى بالوطن وحب الوطن وقائده ويرفع الشعارات المعززة للوحدة الوطنية، كما وانني ايضا كنت رئيسا لنادي البقعة، وانا ابن العشيرة الاردنية، انطلاقا من ايماني بالوحدة الوطنية، ولم اشعر يوما ان هناك فرقا بين اردني واردني، ولم نكن حينها نسمع شعارات تعكر وحدتنا الوطنية، فلماذا تغيرنا؟ ومن الذي غير البعض منا؟ ولماذا نقف جميعا خلف منتخباتنا الوطنية، ويختلف بعضنا مع بعض عندما تلعب انديتنا مع بعضها البعض؟!.
إن ماجرى من احداث مؤسفة يجب ان لا يمر هكذا، وما حدث يجب أن نتجاوزه، فالايمان بالوطن القوي الامن المستقر لايجوز أن تزعزعه مثل هذه الأحداث المعزولة، فوطننا يجابه تحديات وصعاب جمّة، تفرضها ظروف الإقليم وأخطاره السياسية والأمنية، وتستوجب منا جميعاً الوقوف صفاً واحداً خلف قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يصل الليل بالنهار، لينهض بالوطن ويعظم منجزاته، عبر مسيرة الإصلاح والتنمية، ويعمل بجهد موصول لتجنيب الوطن وحمايته من المؤامرات الخارجية ومخططات من يعادونه.

* رئيس الوزراء الأسبق والنائب الأول لرئيس مجلس الأعيان.

Related posts

الضيف «اللي ما يجيب»* الحيف بشار جرار

بعد 400 يوم.. المخطوفون ما يزالون بغزة* ريفكا نارييه بن شاحر

خطاب ولي العهد وتحديات المناخ ( كل روحٍ تستحقُ القتال لأجلها )* النائب محمد يحيى المحارمة