عروبة الإخباري – وجه جلالة الملك عبدالله الثاني الحكومة بوضع تصوّر مستقبلي واضح للاقتصاد الأردني للسنوات العشرة القادمة، وفق إطار متكامل يعزز أركان السياسة المالية والنقدية ويضمن اتساقها، ويُحسِّن من تنافسية الاقتصاد الوطني، ويُعزِّز قيم الإنتاج والاعتماد على الذات، وصولاً إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتأمين الحياة الكريمة والمستقبل المشرق “لأبناء وبنات أردننا الحبيب”.
وأكد جلالة الملك، في رسالة إلى رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور، “أن نجاح هذه العملية مرهون باتباع نهج تشاركي وتشاوري مع جميع الجهات والفعاليات: من مؤسسات حكومية، ومجلس الأمة، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع المحلي؛ كما يتطلب أيضاً البناء على الجهود والدراسات المؤسسية والمتراكمة”.
وتاليا نص الرسالة: بسم الله الرحمن الرحيم عزيزنا دولة الدكتور عبدالله النسور، حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فيسرني أن أبعث إليك وإلى زملائك في الفريق الوزاري بتحياتي وأمنياتي لكم بالتوفيق، وأنتم تحملون أمانة المسؤولية وتمضون في تنفيذ ما جاء في كتاب التكليف، الذي عهدنا إليكم من خلاله بأهداف واضحة ومحددة، وعلى رأسها توفير الحياة الكريمة لمواطنينا.
يواجه الاقتصاد الأردني جملةً من التحديات الصعبة نتيجة الأزمات المتوالية والظروف العالمية والإقليمية الراهنة من أبرزها: الانقطاع المستمر في إمدادات الغاز المصري، وتبعات الأزمة السورية خاصّة أزمة اللاجئين السوريين، إذ يحتضن الأردن اليوم أكثر من 1.300.000 من أشقائنا السوريين، ما يشكل استنزافا لمواردنا المحدودة وضغطاً هائلاً على بنيتنا التحتية واقتصادنا الوطني؛ الأمر الذي أدّى إلى تنامي العجز في الموازنة العامة وزيادة المديونية خلال السنوات الماضية.
لقد كانت لهذه التبعات والظروف الاقتصادية الصعبة آثار واضحة على واقع ومستوى معيشة المواطنين. فأصبح الهمّ الأكبر والأولوية الأولى لدى المواطن اليوم الشأن الاقتصادي، وتحسين الظروف المعيشية، والحصول على فرص عمل تؤمن له ولأفراد عائلته حياةً كريمةً وأملاً في مستقبل أفضل، وهذا ما لمسته من خلال جولاتي الميدانية المتواصلة؛ فارتفاع الأسعار والضغوط المالية على مواطنينا باتت واقعاً صعباً، يستوجب من الدولة بكل مؤسساتها تقديم الحلول والبرامج الاقتصادية والاجتماعية للتخفيف من هذه الأعباء.
كما أنني تابعت خلال الأشهر الماضية أداء الحكومة وجهودها الدؤوبة والمقدّرة التي قادت إلى إقرار الموازنة العامّة، وتنفيذ حزمة من الإجراءات الاقتصادية الإصلاحية، وإنجاز عدد من التشريعات بالتعاون مع مجلس الأمة.
وفي ضوء ما أشرنا له من تحديات راهنة، وانطلاقاً من حرصنا على استمرار العمل لتطوير أداء اقتصادنا الوطني ورسم نهج مستقبلي وتأمين الحياة الكريمة والمستقبل المشرق لأبناء وبنات أردننا الحبيب، فقد بات ملحاً قيام الحكومة بوضع تصوّر مستقبلي واضح للاقتصاد الأردني للسنوات العشرة القادمة، وفق إطار متكامل يعزز أركان السياسة المالية والنقدية ويضمن اتساقها، ويُحسِّن من تنافسية اقتصادنا الوطني، ويُعزِّز قيم الإنتاج والاعتماد على الذات وصولاً إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
ونؤكد هنا أن نجاح هذه العملية مرهون باتباع نهج تشاركي وتشاوري مع جميع الجهات والفعاليات: من مؤسسات حكومية، ومجلس الأمة، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمع المحلي؛ كما يتطلب أيضاً البناء على الجهود والدراسات المؤسسية والمتراكمة، ومنها: مخرجات “لجنة تقييم التخاصية”، واستراتيجة تنمية المحافظات، و”الاستراتيجية الوطنية للتشغيل” والاستفادة منها في عملية رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية، لإعداد تصور اقتصادي يتضمن خطط عمل وبرامج محددة تعالج مختلف التحديات التي نواجهها على المدى القصير والبعيد، ويبني على البيان الوزاري للحكومة وبرنامج عمل الحكومة (الأعوام 2013-2016) اللذين قُدّما لمجلس النواب السابع عشر في دورته غير العادية ونالت الحكومة على أساسهما الثقة، كما يبني على البرامج الوطنية الأخرى للإصلاح الاقتصادي والمالي، ويكون مرجعية للحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة لتحقيق معدلات نمو مستدامة وتعزيز برامج الإصلاح الاقتصادي.
ويجب التأكيد هنا على ضرورة ارتكاز التصور الاقتصادي التنموي الموجّه بإعداده إلى المبادئ التالية: 1. الحفاظ على الاستقرار المالي الكلّي وتطوير السياسات المالية، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز السياسات المشجعة على الابتكار والتطوير القطاعي، وتفعيل الحكم المحلي وتطبيق نهج اللامركزية.
2. دعم مُحركات النموّ الاقتصادي، وضبط عجز الموازنة العامة للدولة، والمحافظة على الاستقرار المالي والنقدي، وتحسين التنافسية والبيئة الجاذبة للاستثمارات بما يوفر فرص عمل إضافية للأردنيين والأردنيات.
3. تكثيف البرامج الموجهة لمحاربة الفقر والبطالة وحماية المستهلك، بالإضافة إلى توجيه الدعم لمستحقيه من خلال تقوية شبكة الأمان الاجتماعي وبما يساهم في حماية وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى.
4. دعم المشاريع الإنتاجية والريادية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال تشجيع وترسيخ البيئة التنافسية ومنع الاحتكار.
5. الارتقاء بنوعية وجودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين في مختلف المجالات، بما يبني على برنامج إصلاح القطاع العام، والتركيز على قطاعات الصحة والتعليم والتدريب والتشغيل بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وضمان تحقيق أعلى درجات المساواة وتوخي العدالة في الحصول على هذه الخدمات.
6. ضمان التوزيع العادل لمكتسبات التنمية من خلال التركيز على البرامج التنموية في المحافظات.
7. وضع منظومة متكاملة تعزز الأمن الغذائي والمائي والتزوّد بالطاقة وتنويع مصادرها والإسراع في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى.
عزيزنا دولة رئيس الوزراء، أؤكد هنا على ضرورة إيلاء هذه المهمة جلّ الاهتمام والعناية للوصول إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ وفق برنامج زمني محدد، وبأولويات واضحة، تُبنى على خطوات تنفيذ مُتسلسِلة، يتم متابعة تقييمها بشكل مؤسسي، وتكون مُلزمة للحكومات. مشدداً على أهمية اعتماد المساءلة لقياس مستوى التقدم والإنجاز، والتشاركية في تحمل المسؤولية، وتجاوز الثغرات في المستقبل. ومن الأهمية بمكان، التعامل بمنتهى الجدية وعدم التهاون في تنفيذ هذه التوجيهات بما يعزز مصداقية عمل الدولة بكل مؤسساتها لمعالجة هموم المواطنين وضمان الحياة الكريمة التي يستحقون، فلا نريد لهذا التصور الذي نعوّل عليه كثيراً أن يكون وثيقةً توضع في الأدراج، بل عملا منتجاً ذا أثر ملموس وببرنامج زمني واضح.
إن التحديات التي تواجهنا كثيرة وصعبة، والمواطن الأردني الأعزّ يستحق منّا الأفضل، ونحن على ثقة تامة بأن الأردن القادر بعزم أبنائه وبناته، سيتجاوز هذه التحديات من خلال العمل بروح الفريق الواحد وبذل المزيد من الجهد والمثابرة والمتابعة، وصولاً إلى تحقيق رؤيتنا بأردن المستقبل.
سائلاً العلي القدير أن يحفظ الأردن وطناً شامخاً دوماً بهامات الأردنيين والأردنيات ومزدهراً بجهودهم الدؤوبة، وأن يوفقنا جميعاً في أداء الأمانة وتحقيق طموحات شعبنا العزيز.
والله ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عبدالله الثاني ابن الحسين عمّان في 28 جمادى الأولى 1435 هجرية الــمــوافق 29 آذار 2014 مــيــلاديــ