رحلة باراك أوباما من أوروبا الى السعودية هدفها واحد تقريباً، وهو طمأنة الحلفاء الاطلسيين والخليجيين، الى ان اميركا التي تعيد رسم سياستها الخارجية على قواعد انكفاء تدريجي متدحرج بعد ستة عقود من الاندفاع، الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، ليست في وارد الاستقالة من العالم!
لكن تأكيد الحضور الاميركي الفعلي والفاعل على مسرح الاحداث العاصفة في اكثر من مكان، يحتاج الى الأفعال أكثر من الاقوال، وخصوصاً في ظل الهجوم الروسي المتصاعد الذي بدأ في سوريا ووصل الآن الى أوكرانيا وليس من الواضح اين سيتوقف، فها هي مولدافيا ترتعد خوفاً من ان تواجه سيناريو القرم، وهو ما عبّر عنه رئيسها نيكولاي تيموفي صراحة قبل أيام!
الحديث عن العقوبات الاقتصادية الغربية لن يردع فلاديمير بوتين، الذي تقول “الصنداي تايمس” انه يعتبر السياسة “عراك كلاب وهو يعضّ ولن يتراجع الآن ليفاوض”، لأنه يعرف ان العقوبات الفعلية سترتد سلباً على حلفاء اميركا الاوروبيين وتؤذيهم اكثر مما تؤذيه، وان العقوبات الشكلية تبقى مسخرة المساخر، ولهذا كان واضحاً ان الهاجس الذي يصيب دول الاتحاد الاوروبي الـ٢٨ قبل قمتهم الثانية في بروكسيل، هو “كيف يمكننا البقاء موحدين” حيال العقوبات، وللعلم فقط هناك أكثر من ستة آلاف شركة المانية لديها عقود ضخمة ولها مصالح كبيرة في روسيا.
عملياً ليست المفاجأة في اندفاع بوتين وابتلاعه القرم وتهديده اوكرانيا، المفاجأة هي في مدى ضعف الرد الاميركي، وخصوصاً ان اميركا وبريطانيا تعهدتا قبل عقدين ضمان أمن اوكرانيا وسلامة اراضيها، وعلى هذا الاساس يتساءل اندرو كوشينز الخبير في الشؤون الاوروبية “ماذا سيقول حلفاؤنا مثل اليابان وكوريا الجنوبية بعد الآن، حول صلابة التزاماتنا وصدقها حيالهم”؟
هذا هو جوهر السؤال الذي سيواجهه اوباما سواء عند الاوروبيين او عند السعوديين الذين يعبّرون عن رأي الدول الخليجية وعدد كبير من الدول العربية، فعندما تقول سوزان رايس “إن كان من موضوع مشترك في هذه الجولة فهو الاهمية الاساسية لتحالفاتنا وشراكاتنا”، على واشنطن القيام بخطوات جادة على الارض وفي السياسة تثبت تمسكها بمتطلبات هذه الشراكة.
المفاجأة ان اوباما اكتشف ان من اسباب تدهور علاقاته مع الاوروبيين، الموقف الاميركي المتخاذل في سوريا الذي ساهم الى حد بعيد في استقطاب الارهابيين وخلق بؤرة تهديد حقيقي لأوروبا، فقد ورد في صحيفة “وورلد تريبيون” قبل يومين ان هناك ١١ الف مقاتل اجنبي في سوريا وبعضهم بدأ يعود الى اوروبا، و”لو كانت واشنطن حازمة في العمل لوقف الحرب الكارثية هناك لما وصلت الأمور الى هذا المستوى المقلق”!