”نحن هنا لا نريد أن نُقدّم صورة مُشوشة ولا صورة وردية عن حقيقة ما جرى ويجري داخل غرف التفاوض وفق المعلومات التي ترد كل يوم عبر مختلف القنوات السياسية والإعلامية، بل نُريد أن نُقدم صورة مُطابقة لحقيقة ما يجري حيث عملية (الشد والاسترخاء) التي تمارس على الطرف الفلسطيني فيما الموقف الأميركي على حاله لجهة التبني الكامل للمطالب “الإسرائيلية”…”
انتهت قبل أيامٍ خلت، أعمال الدورة الثالثة عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح في مدينة رام الله في فلسطين، وهي الدورة العادية لأعمال المجلس القيادي لكبرى الفصائل الفلسطينية، الفصيل الذي بات عمليًّا الحزب الذي يقود السلطة الوطنية في الداخل الفلسطيني، ويقود منظمة التحرير وتمثيل الشعب الفلسطيني.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كان قد ألقى كلمة افتتاحية مُطولة في أعمال المجلس، كان للوضع السياسي وتطوراته النصيب الأكبر منها، والتي كانت في هذا الجانب واضحة بالرغم من الالتباسات التي ما زالت تُرافق الحديث عن المبادرة الأميركية المعنونة بـ (مشروع الحل الانتقالي)، وما يوازيها من تسريبات إعلامية مُتضاربة عن وجود قناة خلفية تتفاوض بين الطرفين الفلسطيني و”الإسرائيلي” وهو ما نفته القيادة الفلسطينية أكثر من مرة، فيما ما زالت تؤكده العديد من المصادر “الإسرائيلية” وهو أمرٌ ضار على كل حال، فسياسة التعتيم والسرية على ما يدور في الغرف المغلقة حال صحت تلك التسريبات يؤدي لكوارث، ولتكريس المفاوضات الثنائية تحت قبضة الانفراد الأميركي دون مرجعية ورقابة دولية، ودون وقف سياسات تهويد الأرض. فسياسة (التعتيم والسرية) وغياب الشفافية والمساءلة أدت وتؤدي إلى زرع اليأس والإحباط في صفوف الناس والى توالد صفقات وحلول مُختلة اختلالاً كبيراً لصالح الاحتلال في ظل الاستفراد الأميركي وغياب الحضور الدولي.
الرئيس محمود عباس، كان واضحاً في كلمته ومداخلاته، خصوصاً بإصراره على رفض مقولة “الدولة اليهودية” والمطالبة “الإسرائيلية” بالاعتراف الفلسطيني بها، حين كرر قوله: “إن أي صيغة سياسية في أي اتفاق، ومهما كان الذكاء والدبلوماسية فيها للاعتراف بيهودية الدولة لن نسمح بها لأن الاعتراف بذلك يعني أن لا مكان لفلسطيني الداخل على هذه الأرض، ولا مكان للضفة الغربية ولا للقدس”، ونأمل أن يكون هذا الموقف هو الموقف الفلسطيني النهائي بالنسبة لهذا المطلب الخطير الذي تحاول تمريره الدولة العبرية الصهيونية بإسناد وتبن أميركي كامل.
إن هذا الوضوح في موقف الرئيس محمود عباس شكّلَ عامل ارتياح عند عموم القوى والفصائل والشخصيات المُجتمعية وعموم الناس في فلسطين، حيث قلل من شأن ما قيل من أن التوافقات مع الطرف “الإسرائيلي” باتت مُتقدمة لجهة القبول الفلسطيني بالخطة الأميركية العتيدة كما تريد “إسرائيل”، نافياً في الوقت نفسه ما يُشاع عن موقف أميركي يدعو لتمديد المفاوضات حتى العام 2015 بعد أن كان مقرراً لها أن تنتهي أواخر نيسان/إبريل القادم 2014 وفق الأجندة التي وضعها الوزير الأميركي جون كيري.
في هذا السياق، لا يُستبعد من حيث المبدأ أن يُقدمُ الأميركيون على خطوة مُحددة، لإيجاد مخارج لحالة الاستعصاء القائمة من خلال تمديد فترة المفاوضات لستة شهور أو عام آخر لمنع انهيار المفاوضات برمتها، وترك المجال أمام الدبلوماسية للضغط على الفلسطينيين ومحاولة استرضائهم مرة جديدة ببعض التقديمات البسيطة كإطلاق دفعات جديدة من الأسرى، وتسهيل وصول الأموال من الدول المانحة أو زيادة تدفقها والتخفيف من وتيرة الاندفاع “الإسرائيلي بعمليات التهويد والاستيطان في القدس وبعض مناطق الضفة الغربية.
إن كل المعطيات تؤكد بأن الوزير الأميركي جون كيري وخطته العتيدة يميل إلى جانب “إسرائيل” في كل ما يتعلق بالترتيبات الأمنية المطروحة في سياق الخطة، ويدفع باتجاه االضغط على الفلسطينيين للاعتراف بـ “يهودية الدولة” والنزول عند الرغبة “الإسرائيلية”، وهو بذلك ينتقل من موقع الراعي لموقع المُنحاز، وعلى هذا الأساس يُتوقع أن تتعثر الجهود الأميركية مرة تلو المرة لتُصبح في نهاية الأمر خطوة الوزير جون كيري وخطته كغيرها من الخطط الأميركية السابقة التي باتت نسياً منسياً.
نحن هنا لا نريد أن نُقدّم صورة مُشوشة ولا صورة وردية عن حقيقة ما جرى ويجري داخل غرف التفاوض وفق المعلومات التي ترد كل يوم عبر مختلف القنوات السياسية والإعلامية، بل نُريد أن نُقدم صورة مُطابقة لحقيقة ما يجري حيث عملية (الشد والاسترخاء) التي تمارس على الطرف الفلسطيني فيما الموقف الأميركي على حاله لجهة التبني الكامل للمطالب “الإسرائيلية” وخصوصاً منها المطالب الأمنية إضافة منها للمطلب المتعلق بيهودية الدولة.
هنا وحتى لا نعدم الموقف الأميركي، فإن الرئيس الاميركي باراك أوباما، ولكي يثبت مصداقية الموقف الأميركي ولو في حدودها الدنيا، عليه الانتقال بإعلانه السياسي المُتكرر عن حقوق الفلسطينيين الوطنية من الأقوال إلى الأفعال، إلى الوفاء بخطابه في القاهرة في الرابع من حزيران/ يونيو 2009 عند زيارته للمنطقة بعد فوزه بالفترة الثانية بالرئاسة الأميركية، ومُطالب بالضغط على دولة الاحتلال لوقف عمليات تهويد الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس الانحياز لمطالبها التوسعية في القدس والضفة الغربية، والانحياز لمطالبها بالاعتراف الفلسطيني بـ “يهودية الدولة”.
ونُشير هنا في هذا السياق للمعلومات التي تقول بأن سِجِل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية قد سَجَلَ ارتفاعاً تفوق نسبته (123،7%) عن العام الماضي 2013. حيث نشر مركز الإحصاء المركزي “الإسرائيلي” مُعطيات حول أعمال التوسع التي بدأت حكوم نتنياهو بتنفيذها خلال عام 2013 وقد أظهرت أن حجم هذه الأعمال في المستوطنات في الضفة الغربية قد ارتفع بنسبة (123%). كما أشارت تلك المعلومات إلى أن “إسرائيل” بدأت بناء (2534) وحدة في المستعمرات المقامة فوق أراضي الضفة الغربية، بينما بدأت ببناء (1133) وحدة خلال عام 2012، ولفتت إلى أنه تم البدء ببناء (3432) وحدة استيطانية تهويدية في القدس، مقابل (2468) وحدة عام 2012 .
وعلى كل حال، ما العمل بعد اجتماعات قيادة حركة فتح ومجلسها الثوري وقراراته الأخيرة …؟ للإجابة على السؤال أعلاه، نقول، سواء ارتفع منسوب الضغوط الأميركية ” الإسرائيلية ” على الطرف الفلسطيني أو بقي في حدوده الدنيا، فإن الحال الفلسطينية لن تكون فاعلة ومؤثرة وقادرة على الوقوف طالما بقي الانقسام الداخلي سيد الموقف في البيت الفلسطيني، فإغلاق الانقسام هو المطلب العاجل الآن في هذا الوقت بالذات، مع بناء سياسات جديدة، وانتهاج سياسة الإجماع الوطني لبناء مفاوضات جادة مسؤولة تقوم على إطار سياسي وقانوني جديد، ممثلاً بقرارات الشرعية الدولية ورعاية الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، وكسر التفرد الأميركي، والذهاب للأمم المتحدة والانضمام إلى كل مؤسساتها، ومنها اتفاقات جنيف الأربعة، محكمة الجنايات الدولية، العدل الدولية، مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة وغيرها، وذلك في سياق تنشيط العملية المفترضة لتنشيط وتوسيع الأداء والفعل السياسي الفلسطيني داخل المجتمع الدولي واروقة الدبلوماسية الأممية، على جانب ممارسة كل أشكال العمل الكفاحي المشروعة في مواجهة الاحتلال وسياساته ومستوطنيه وجيشه في الأرض الفلسطينية المحتلة.