عبدالوهاب بدرخان/فئة واحدة معترف لها بـ “المواطنة”

أخيراً سُمح للحكومة الجديدة بأن تقول في بيانها أن تحرير أي أرض محتلة هو “واجب الدولة”، فهل يتضمّن هذا الواجب المقاومة أو الإشراف على المقاومة؟ الجواب في قواميس اللغة والسياسة هو “نعم” لأن مسؤولية الحفاظ على السيادة هي للدولة وجيشها. أما في معاجم الميليشيات فالجواب هو “لا”. في أي حال، شكراً على ذكر “الدولة” ولو التفافاً.

نأتي الى “المواطنين” الذين توصّلت التسوية اللغوية للبيان الوزاري، بعد لأيٍ، الى اعتراف لهم بـ “الحقّ في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة”. هذه الصيغة تستدعي ملاحظتين:
الأولى أن ما يُعطى لـ “المواطنين” في اطار “حق المقاومة” يتيح لهم القرصنة على “الدولة” وواجبها، وبالتالي القضم من سلطتها وهيبتها.
والثانية، وهي الأهم، أن “الحق في المقاومة” محتكرٌ حالياً من “حزب الله” الذي هيمن على الفئة المذهبية التي ينتمي اليها وينكر هذا الحق على الفئات الاخرى… ما يعني تلقائياً أن اللبنانيين الوحيدين المعترف بهم كـ”مواطنين” هم المنتسبون الى هذا الحزب وفئته المذهبية!
نعرف أن هذه الحكومة واجبة الوجود، تأميناً للاستحقاق الرئاسي، وتفادياً للفراغ والضياع ولانحلال الدولة، بل تجنباً للأمر الواقع الأسوأ – أي لحكم “القمصان السود”. ونفهم أيضاً أن الجدل الذي دار لأسابيع حول “الدولة” و”المقاومة” كان طبيعياً وضرورياً وأنه بعث بالرسائل اللازمة الى من يعنيهم الأمر في النظامين السوري والايراني واتباعهما. وسواء فَهِم هؤلاء أو لم يفهموا فإنهم سيبقون غير معنيين بما يصدر عن الدولة اللبنانية وحكومتها، طالما أنهم استلبوا أمن البلد وأمانه. ولا يُنتظر من الحكومة نفسها أن تصرّح بأن شيئاً مما هو في الواقع الآن لن يتغيّر بل ربما يسوء.
كانت الحكومة استُقبلت بعملية تفجير، وغداة الاتفاق على “الصيغة العجائبية” انهال وابل من القذائف والصواريخ على القرى الحدودية، وتزامن اجتراح بيانها مع حسم معركة يبرود وتداعياتها عبر الحدود. وهكذا فإن “اعلان بعبدا” الذي أُسقط من البيان أُشبع سقوطاً، ومع ذلك تعهدت الحكومة العمل على “احترام ومتابعة قرارات الحوار الوطني”، وهي نفسها القرارات التي ألقى بها “حزب الله” وحلفاؤه في أول قمامة.
كان لافتاً أن تأتي الشكوى الخارجية الأولى الى الرئيس تمام سلام من ايران، التي تُعتبر على نطاق واسع دولياً وعربياً ولبنانياً “دولة الوصاية” الجديدة. لم تتحمل أن يتحدّث وزير الداخلية نهاد المشنوق عن التدخل الايراني في الشأن اللبناني. وسواء كانت طهران، الطامحة لإثبات “نفوذها” في كل مكان، احتجّت رفضاً لتهمة “التدخل”، أو لأن الوزير تجرّأ وحكى، فلتثبت أنها لا تتدخل وأنها كدولة تتمايز في سياساتها عن سلوكيات “حزب الله”.

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني