خليل العناني/صعوبات وعوائق في وجه السلطوية الجديدة في مصر

على عكس ما قد يبدو للبعض فإن فرص إعادة بناء السلطوية الجديدة في مصر تبدو ضئيلة ومتهافتة. وعلى رغم المحاولات المستمرة لنظام ٣ تموز (يوليو) لتثبيت أقدامه وإحكام قبضته على المجال العام وإفراغ الساحة من أية معارضة حقيقية، فإن قدرته الإقناعية على تحقيق ذلك تتراجع بشكل ملحوظ وبوتيرة متسارعة. ويبدو لجوء هذا النظام إلى القوة في مواجهة معارضيه بمثابة دليل واضح على افتقاده لأجندة سياسية واضحة أو شرعية حقيقية قد تمكنه من الاستمرار وبناء كتلة اجتماعية متماسكة مساندة ومؤيدة له.

ضعف النظام الجديد/القديم بدا واضحاً قبل أسبوع عندما جرى حل الحكومة التي تشكلت عقب انقلاب 3 يوليو بقيادة الدكتور حازم الببلاوي، وذلك بعد أن طاولتها نصال الإعلام المحسوب على السلطة وجرى اتهامها بالضعف والفشل في تحقيق أهداف ثورة ٣٠ يونيو وأهمها القضاء على جماعة «الإخوان المسلمين». في حين تم تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة رجل كان ضمن الدائرة الضيقة لجمال مبارك وعضواً في ما كان يعرف بـ «المجلس الأعلى للسياسات» الذي جرى تشكيله من عدد من أصحاب القوة والنفوذ آنذاك. وهو الاختيار الذي يؤكد انعدام الخيارات السياسية الحقيقية لنظام ٣ يوليو وإصراره على السير على خطى من سبقوه.

ولعل الاستثمار الوحيد لنظام ٣ يوليو الذي يبدو ناجحاً، على الأقل حتى الآن، هو في التخويف من الثورة المصرية ومحاولة تشويه رموزها. حيث تتبنى وسائل الإعلام المحسوبة على هذا النظام حملة ممنهجة لتشويه الثورة واعتبارها خطأ تاريخياً جلب «الفوضى وعدم الاستقرار والضعف الاقتصادي» للبلاد. ويستند هذا الاستثمار على عدة أمور أولها التخويف من عودة جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة واستخدامهم كفزاعة لترهيب وتخوين كل من يدعو إلى الحوار والمصالحة، مثلما حدث مؤخراً مع الدكتور حسن نافعة الذي طرح مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة وانهالت عليه أصوات كثيرة محسوبة على الدولة بالنقد والتقريع.

ثانيها تبني أطروحة «المؤامرة الخارجية» والنفخ فيها إلى أقصى حد إلى الدرجة التي يجري فيها اعتبار كل من ينادي بالتغيير إما «خائناً أو عميلاً». هذه الاستراتيجية تنتمي بامتياز إلى عصور السلطوية التقليدية والتي استخدمها حسني مبارك من أجل ابتزاز الداخل والخارج وقبول بقائه في السلطة لأكثر من ثلاثين عاماً. وثالثها الحديث المتواصل والمفتعل حول «هيبة الدولة ومؤسساتها» والذي حولها إلى بقرة مقدسة لا يجوز الاقتراب منها أو نقدها.

هذه الأمور وإن كانت تشي بأن مصر تسير بخطى ثابتة على طريق السلطوية الجديدة فإن ثمة نقاط ضعف كثيرة تخترق بنية هذه السلطوية المتهافتة وتجعل من سقوطها مسألة وقت. فمن جهة تبدو مزايدات البعض على الدولة ومؤسساتها وهيبتها كما لو كانت خصماً من رصيدها بما تؤدي إليه من نتائج عكسية على صورة الدولة ووزن القائمين عليها وذلك مثلما حدث مؤخراً في مسألة الاختراع المنسوب للجيش المصري والخاص بتشخيص وعلاج مرضي «الإيدز» والتهاب الكبد الوبائي، والذي تحول إلى مثار نقد وسخرية من وسائل الإعلام العالمية واعتبرها المستشار العلمي للرئيس الموقت «فضيحة عالمية» بحسب تعبيره. ولعل أكثر مثال على هشاشة خطاب السلطة وهيبتها هو عدم احترام فئات كثيرة لقراراتها وعدم الاكتراث بها بل والسعي المتواصل والمتعمد لانتهاكها مثلما تقوم به حركات الطلاب و «الالتراس» وغيرهم من المحتجين. بل الأكثر من ذلك أن يصبح خطاب «تفكيك الدولة» هو السائد بين العديد من شباب القوى الثورية بمن فيهم شباب الإسلاميين.

ومن جهة ثانية، فإن الكتلة التي تدعم السلطوية الجديدة على رغم انتشارها وتقاطعها مع فئات اجتماعية مختلفة، إلا أنها ليست كتلة متناغمة أو متماسكة بشكل يمكن الاعتماد عليه لبناء حركة اجتماعية أو سياسية حقيقية يمكنها أن تمثل مخزوناً شعبياً للاستبداد. صحيح أن ثمة كتلة تدعم بقاء الجيش في السلطة وتدفع باتجاه تنصيب وزير الدفاع رئيساً للجمهورية، إلا أن هذه الكتلة لديها مزاج متقلب وقد تتحول بين ليلة وضحاها من دعم السلطة الجديدة إلى معارضة لها خاصة إذا فشل النظام الجديد في تقديم حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تمر بها البلاد.

الأكثر من ذلك أن هذه الكتلة ليست بالضرورة تمثل رصيداً للسلطوية الجديدة وإنما هي أيضاً عبء عليها بخاصة إذا خرجت عن السيطرة أو فشلت السلطة في توجيهها حسبما تشاء. وليس أدل على هشاشة وضعف منطق هذه الكتلة بأن نتابع ردود فعلها بعد كل حلقة يقدمها البرنامج الساخر الذي يقدمه الإعلامي باسم يوسف والذي يلعب دوراً مهماً في تفكيك الأساطير التي يصنعها الإعلام الحكومي والخاص المساند للسلطة الحالية وذلك مثلما كان يفعل مع نظام الرئيس محمد مرسي وأنصاره من الإسلاميين.

ومن جهة ثالثة فإن البنية المؤسسية للاستبداد والسلطوية الجديدة فضلاً عن فشلها في إخماد الثورة من خلال القمع والعنف فإنها لا تتمتع بالاتساق والتناغم داخل جهاز الدولة البيروقراطي الذي يضمن لها «مأسسة» الاستبداد والتسلط على المدى الطويل. وأعني بذلك أن ثمة صراعات وتنافساً لا تخطئه العين بين مؤسسات الدولة المختلفة حول مراكز النفوذ والتأثير ومساحة كل مؤسسة وفصيل في مقابل الفصائل والأطراف الأخرى والتي تحولت العلاقة بينها بحسب ما يقول الباحث أشرف الشريف إلى ما يشبه صراع «ملوك الطوائف». وليس أدل على ذلك من الاشتباكات التي وقعت مؤخراً بين بعض أفراد الجيش والشرطة أمام أحد أقسام الشرطة وكادت تتسع رقعتها لولا تدخل القائمين على الأمر لتهدئة الأجواء.

يحدثنا التاريخ بأن السلطويات التي قامت على أساس شوفيني أفرط في استخدام المشاعر الوطنية والقومية من دون القدرة على تحقيق إنجاز ملموس كانت نهايتها مؤسفة ومأسوية. لذا فإن محاولات البعض بناء نظام سلطوي جديد في مصر يقوم فقط على اللغة الحماسية والاستثمار المفرط في المشاعر القومية والوطنية سوف تواجه الكثير من الصعوبات.

* كاتب وأكاديمي مصري.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري