ما ان أعلنت شركة «البوتاس العربية» عن توقيع اتفاقيتها، مع شركة «نوبل انيرجي» الأمريكية لتوريد الغاز الى مشروعي البوتاس وبرومين الأردن، من قبالة شواطئ حيفا المحتلة، حتى تسّرب البرومين السام في مصنع «برومين الأردن» في الجنوب، مما ادى الى اجلاء مئات العمال من الموقع، وسط هلع هؤلاء ومخاوفهم من تأثيرات المواد السامة.
المشهد اثار تحليلات كثيرة، خصوصاً، ان مصنع «برومين الأردن» مشمول بالاتفاقية، و يستفيد منها، و مجاورته للبوتاس اثارت التساؤلات حول حادثة التسريب، وهل هي طبيعية أم بفعل فاعل؟!.
البعض يعتقد ان هناك رابطاً بين الاتفاقية مع الشركة الامريكية لكونها تضم معها شركاء اسرائيليين،وُتصدر الغاز من حقلين قبالة شواطئ حيفا المحتلة،وبين حادثة تسريب البرومين السام.
فرضية العمل الانتقامي او التخريبي،رداً على الاتفاقية،فرضية تم طرحها من جانب متابعين لهذا الملف،خصوصاً،في ظل التزامن والتوقيت،وفي ظل ذهنية تنزع عموماً الى الربط بين القضايا. البوتاس،تنفي كل فرضية العمل الانتقامي او التخريبي،و تعتبر ان القصة مبالغة في مبالغة،بسبب التوقيت والتزامن،وترد ان حوادث التسريب للمواد السامة تجري في مرات عدة،ويتم التعامل معها،في ظل وجود اجهزة انذار في «برومين الاردن».
صفقة البوتاس مع «نوبل انيرجي» الامريكية اثارت ضجة كبيرة في الاردن،لكون الغاز الذي سيتم استيراده،من قبالة شواطئ حيفا المحتلة،ومن حقل « تمار» الواقع ثمانين كيلومتراً غرب حيفا المحتلة،وحقل «لفياتان» الواقع مائة وثلاثين كيلومتراً غرب حيفا المحتلة ايضا،غاز تسطو عليه فعلياً اسرائيل،بفعل القوة والاحتلال.
شركة البوتاس كانت قد اتخذت قراراً بعدم التعامل مع اي جهة اسرائيلية،غير ان الشركة الامريكية تعمل في حقول قبالة فلسطين المحتلة،وسواء كانت حقولا فلسطينية ام مياه اقليمية،الا ان هناك شركاء اسرائيليين في الشركة الامريكية،كما ان ذات الشركة الامريكية وقعت اتفاقية لتوريد الغاز الى السلطة الفلسطينية،بعد سنين من ممانعة رئيس الحكومة الاسرائيلية، لتصدير الغاز الى احد.
برغم ان القضية تخضع للتوظيف السياسي،وتبادل الاتهامات بالتطبيع،اثر القصة،الا ان علينا ان نتنبه الى ان قبل هذه الاتفاقية،عشرات الملفات الاخرى،من الحصول على الماء،مرورا بالصادرات والواردات،وصولا الى المشاريع المشتركة،وقبل اتفاقية الغاز،شاهدنا توقيع اتفاقية «ناقل البحرين» مع الاسرائيليين وبقبول فلسطيني وشراكة واستفادة ضمنية.
الواضح ان التطبيع الاقتصادي على مستوى الاردن،السلطة الوطنية،واسرائيل،بات متسارعاً بشكل كبير،تحت وطأة تفسيرات كثيرة،من بينها حاجة دول مثل الأردن للطاقة،والخسائر التي تتكبدها شركات هنا، جراء فروقات الطاقة، وهذا يعني ان الاوضاع الاقتصادية ستكون مدخلا لاتفاقيات اخرى،وقد نرى اتفاقية لتزويد الأردن بالغاز لتوليد الكهرباء، والنتيجة بناء مثلث اقتصادي رأسه إسرائيل.
اتفاقية البوتاس تريد توفير ثلاثمئة وسبعة وخمسين مليون دولار جراء هذه العقود التي تمتد في عمرها الى خمسة عشر عاما،من اجل استيراد ملياري متر مكعب من الغاز،عبر انبوب من فلسطين المحتلة الى الاردن،بعد ان ارتفعت كلف الانتاج اربعين بالمائة جراء فروقات الطاقة،والخبراء يقولون ان الكميات المستوردة لاتعادل واحد بالمائة من مخزون الغاز قبالة شواطئ حيفا المحتلة.
نسأل مثل غيرنا لماذا لايتم استيراد الغاز من دول عربية،والرد يقول انكم ترون بعيونكم ماذا يجري بحق خط الغاز القادم من مصر من تفجيرات،وغير ذلك،فيما استيراد الغاز من قطر بحاجة الى بناء خزانات في العقبة بقيمة نصف مليار دولار،وكلفة مد الانبوب من قطر الى الاردن تصل الى ثلاثمائة وخمسين مليون دولار،والمشروع يستغرق خمس سنوات،بدلا من عامين كما في المشروع الموقع مع شركة «نوبل انيرجي» الامريكية؟!.
مايمكن قوله اليوم،اننا بتنا امام معادلة جديدة،عنوانها تجفيف الاردن مالياً،على كل الاصعدة،بحيث يتم دفعه في المحصلة نحو مسرب واحد متبقٍ،وهذه حالة مثيرة جداً،لان كل الابواب مغلقة في وجه الاردن،والباب الوحيد المفتوح، يأخذك الى اسرائيل،وهي حالة تتطابق تماماً،مع حالة السلطة الوطنية الفلسطينية،التي تأسست في جذرها ضد الاحتلال، لكنها تتكامل معه اليوم اقتصادياً.
في وثيقة سرية، للبوتاس،نقرأ قراراً ان البوتاس لن تتعامل مع اي جهة اسرائيلية، قبل توقيع هذه الصفقة،وتوقيع الاتفاقية مع شركة امريكية لتوريد الغاز، من اي مكان في العالم، بمثابة مخرج آمن لكنه شكلي،في وجه الاتهام بالتطبيع،فيما شبح البوتاس الروسي يهدد البوتاس الاردني،وكذلك شبح البوتاس الاسرائيلي،فوق شبح فروقات فاتورة الطاقة.
هذه بعض قصة صفقة البوتاس الاخيرة، ولعل القصة تأخذنا الى ماهو اوسع: لماذا تتركون الأردن وحيداً،لهذا المصير؟!.
mtair@addustour.com.jo