حدّثنــي أحد الأصدقاء الذين عملوا في إحدى الدول العربيّة المتخلّفة مدة طويلة، أنّه في أثناء بناء أحد المنازل سقطت صخرة كبيرة على الشارع الرئيسي، فأصبحت السيارات المارّة من ذلك الشارع تلف حول الصخرة وتواصل سيرها، وأخبرني ذلك الصديق أنه عاد في زيارةٍ إلى ذلك البلد بعد سبع سنوات فوجد الصخرة في مكانها في الشارع والسيارات تلفّ من حولها تجنّباً لها.
ومنــذ شهرين ونصف تقريباً وأنا أتذكر هذه الحكاية بصورة شبه يوميّة، وأنا في طريقي صباحاً ومساءً ذاهباً إلى جامعة العلوم الإسلامية العالمية في طبربور وعائداً منها مروراً من الجسر الواقع في منتصف طريق ياجوز والداخل إلى طبربور من الخلف، وفي وسط أحد الشوارع الرئيسية في قلب طبربور وفي أثناء الثلجة الأخيرة وتحديداً في منتصف شهر كانون الأول الماضي قلبت الأمطار غطاء أحد مناهل المجاري، وبدلاً من إعادة وضعه في مكانه وتثبيته بقليل من الاسمنت، ممّا لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، فإنني أجد كل يوم صورة جديدة من صور التعامل مع هذا الغطاء، حتى لا تصطدم به السيّارات المارّة، ويوماً يرفعون الغطاء بشكل عمودي ويسندونه ببعض الطوب، ويوماً يضمّون إليه إطار سيّارة، ويوماً يضعون أغصاناً من الشجر، ويوماً يحيطونه بالحجارة، ويوماً آخر يجمعون ذلك كلّه…، من دون أن يعالجوا موضوعه معالجة جذرية وفي بضع دقائق فقط. وإنني على يقين بأنّ أحداً لو واعد شخصاً آخر من أبناء تلك المنطقة وطلب منه أن ينتظره عند (المنهل الخربان) لعرف المكان بشكل دقيق وواضح. ولا بدّ أن أشير إلى أنّ هذا المنهل وغطاءه يشكّل خطراً كبيراً في الليل ولاسيّما للسيّارات المسرعة أو للسائقين الذين لا يقيمون في ذلك الحي.
ليـس قصدي هنا أن أتحدّث عن (المنهل) ومشكلته المستعصية، فثمة في حياتنا مشكلات وقضايا أكبر بكثير من هذه المشكلة، ولكنّ ما أريد أن أنوّه إليه هو ظاهرة الاستعصاء في سلوكنا وثقافتنا وإجراءاتنا الإدارية حتّى إنّ أمراً في غاية البساطة قد يتحوّل إلى عقدة يتعذّر حلّها والتغلّب عليها. وأنا أعرف كثيراً من (المعاملات الرسميّة) في دوائرنا ومؤسّساتنا تتعثر وتلقى في الأدراج ولولا متابعة أصحابها لها وإلحاحهم على إنجازها لأصبحت في خبر كان، ولاسيّما إذا كانت المعاملة ماليّة وفيها حقوق للمواطنين. وباستثناء عدد قليل من مؤسّساتنا الوطنية، فإن من النادر أن نسمع عن مؤسّسة أتّصلت بصاحب حقّ بعد إنجاز معاملته لتقول له: تفضل واستلم حقوقك، سواءً أكانت ماليّة، أو غيرها.
إنّ التطوّر الإداري الذي نتحدث عنه لم يتجاوز تعديل القوانين والأنظمة وتزويد الموظفين بأجهزة حاسوب، لكنّ ترجمة هذه القوانين والأنظمة وامتلاك الحواسيب إلى نتائج يظهر أثرها على أرض الواقع، فلم يتحقق من ذلك إلاّ الشيء النادر القليل الذي لا يكاد يُرى إلاّ بالمجهر.
وبالعودة إلى حكاية المنهل والعنوان الواضح الدقيق، أقول إنّ مرور أشهر على انتظار إصلاح منهل، يفسّر لنا انتظار عقودٍ طويلة على حلّ مشكلة عربيّة معقّدة وعويصة (من وجهة نطر عربية فقط) هي مشكلة احتلال فلسطين.
Salahjarrar@hotmail.com