أنا الآن في مصر، وسعيد حقا أن أكون هنا.
عرفت مصر لأول مرة قبل نصف قرن تقريبا، ومن يومها وأحوالها في ترد، مع طفرات تحسن بسيطة هنا وهناك، ثم يتبعه انحدار، ووصل القهر والتخلف مداهما، ونتيجة لسنوات طويلة من الدكتاتورية، تمكن الإخوان من الوصول الى الحكم، وتنصيبهم محمد مرسي العياط رئيسا للجمهورية، ليستمر مشوار السخرية والتجهيل، ولكن وصوله كان أيضا هدية القدر لمصر! فمصر، التي أعطى حسن البنا العالم من خلالها آفة الإخوان، كان لا بد، بحكم الواقع، أن تنتهي اسطورتهم فيها على يد «بناء» آخر. وكانت بداية الزوال تعيين محمد العياط رئيسا، ولو كان أحد غيره، اكثر حنكة ودهاء، لربما اختلفت الحال، ولكن ماذا تتوقع أن تكون خيارات أصحاب الفكر المتخلف؟ ويكفي أن ننظر للفاسدين من أغلب مؤيديهم، من اصحاب المقالات والحناجر وضاربي الطناجر، لنعرف مدى بؤس حكم الإخوان، ذلك الحكم الذي تطلب خروج ملايين المصريين إلى الشارع، في أكبر تظاهرة عرفها العالم، للتخلص منهم، ربما إلى الأبد.
ولكن لماذا كل هذا العداء للإخوان؟
الجواب بسيط، لأنهم سرطان، والسرطان يجب أن يزال، فوصولهم الى الحكم يعني بقاءهم فيه إلى الأبد، وهذا ما كانوا يخططون له، وهذا ما كان متوقعا من حزب يؤمن بأنه الخليفة في الأرض، وزعامتهم هي الناطقة باسم الله والمفسرة لكلامه، والممثلة لإرادته، وبالتالي كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، مقارعتهم الحجة بالحجة، ومنافستهم ديموقراطيا، أو الدخول معهم في نقاش، وهم الذين يصفون كل من لا يتفق مع منطقهم، الديني أو السياسي، بالكافر والضال! وبالتالي كان من الطبيعي أن يفزع الإنسان السوي من مدعي احتكار الصلة بالله، ومعرفة ما يريد، وما يقبل به ولا يرضى عنه! فإن قالوا لا للكنائس في مصر، فمن الذي سيقول لهم «لا»؟ وإن طالبوا المسيحيين بدفع الجزية، المختلف اصلا على مقدارها، فمن الذي سيوقفهم؟ وإن قالوا إن الحجاب أو النقاب من الدين، ولا تخرج امرأة بغيره، فمن الذي سيعارضهم؟ وإن ألغوا النظام الديموقراطي واستبدلوه بالشورى فمن الذي سيقول إن ذلك ليس من الدين في شيء، وهم الذين يفسرون نصوصه؟ وما ينطبق على الإخوان ينطبق على أي نظام ديني سواء كان في إيران أو أفغانستان طالبان!
نعم، لو لم يكن العياط في الحكم لما تحرك «البناء» ليزيل حكم البنا، ويقوم بذلك باسم الشعب الذي فوضه، في سابقة فريدة في التاريخ، ويتخلص من حكم طغمة فاشلة، وهم كذلك، فبعد ثمانين عاما من العمل السياسي، فشلوا، ليس في حكم مصر فحسب، بل وحتى في اختيار رئيس جمهورية رصين، وبالتالي كان اختيار العياط بداية «عياط الإخوان»، وعودة الابتسامة للوجه المصري الطيب.
أحمد الصراف
www.kalamanas.com