عندما يوصف إنسانٌ بأنّه ذو هّمة، فإنّ ذلك يعني أنّه دائماً على أهبةٍ واستعداد لعمل الخير والتضحية والإيثار وعمل ما يُسعد غيره من الناس ولاسيّما الضعفاء وأصحاب الحاجة، ولكن وفق ما تقتضيه الأصول والقواعد والأعراف والقوانين السارية. وذو الهمّة هو أيضاً صاحب المروءة والخلق الرفيع الذي يبادر إلى عمل ما فيه الخير للنّاس ويتجنّب كلّ ما يلحق الضرر بهم. كان الناسُ في بلادنا حتّى وقت قريب يحترم الصغيرُ منهم الكبير، ويقوم الصغير في الحافلة أو المتجر أو الطريق بتقديم كبار السنّ عليه ومساعدتهم أحياناً، وكان الأبناء يحترمون آباءهم ويرفقون بهم ويتحاشون رفع الأصوات أو التدخين في حضورهم، وكان الطلبةُ يحترمون أساتذتهم ويجلّونهم ويقدّرونهم، حتّى وصلنا إلى زمن قلّ أن يحترم فيه الصغير كبيراً، أو يحترم الطالب معلّماَ، أو يقدّم الشباب مساعدةً للمسنّين والمرضى، حتى وجدنا الشابّ يدخّن التبغ أمام والده، ووجدنا التلميذ يتطاول على أستاذه، ووجدنا سائق السيّارة لا يحترم المشاة وإن كانوا من كبار السنّ أو الأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصّة، وغير ذلك من الظواهر السلبيّة التي أخذت تتفشّى في مجتمعنا مجسّدةً سقوط الهمم.
وفي رأيي أنّ ما تشهده أمّتنا وفي سائر بلدانها من نزاعاتٍ وأزمات وحروب وصورٍ من التخلّف والتراجع في مختلف المجالات، يعود إلى سقوط الهمم وتراجع القيم والأخلاق والسلوك القويم، وافتقاد العنصر الإنسانيّ في أهدافنا وغاياتنا ووسائلنا؛ فقد تحوّل الإيثار إلى أنانية مفرطة، واختصرت مصالح الأمّة برمّتها في مصلحة الفرد، ولم يعد أحدٌ يبالي وهو يسعى إلى تحقيق مصلحته الخاصّة ما يلحق من أضرارٍ في مصالح الآخرين مهما صغُرت مصلحته وكبرت مصالح الآخرين؛ فكم من مؤسّسةٍ أصابها الفساد ونخرها الخلل والفوضى بسبب انشغال المسؤولين فيها بمصالحهم الشخصية فقط، وكم من دولةٍ جرى تخريبها وإلقاؤها في أيدي الدمار والانحطاط والتراجع بسبب حرص زعمائها على الاستئثار بمقدّراتها ومواردها.
إنّ عودتنا إلى طريق النهضة والتقدّم والتطوّر مرهونٌ بإعادة الاعتبار لقيمنا الإيجابية الإنسانية النبيلة التي نشأنا عليها، ومرهونٌ بإيقاظ هممنا التي سقطت وكادت أن تندثر؛ فبمثل هذه القيم وهذه الهمم تقدّم الآخرون وتفوّقوا علينا وبسطوا سلطانهم علينا، مع أنّ تراثنا العربي قد يكون أكثر تراث عالمي وإنسانيّ احتفالاً بمثل هذه القيم ودعوةً إلى التشبّث بها.
salahjarrar@hotmail.com