توصف الضرائب والرسوم المختلفة بأنها كوابح قوية للنمو، وهذا التوصيف متعارف عليه، الا ان الضرائب هي المورد المالي الرئيسي للحكومات التي تعود بانفاقه على كافة الاستخدامات الحكومية، كما توصف الضرائب بأنها شكل من اشكال اعادة توزيع الدخل في المجتمع، بحيث يتحمل القادر ماليا من الافراد والشركات والمؤسسات القدر الاكبر من الاعباء المالية في المجتمع، الا ان المعيار المهم فيما تقدم يتجلى في تقديم الحكومات والبلديات خدمات كفؤة من الطرق ونقل الركاب والامن بما يمكن المجتمع من التقدم، وتعمل في نفس الاتجاه صناديق التقاعد المختلفة توسيع مظلتها بتقديم الرواتب التقاعدية للمشتركين في شيخوختهم، عندها تكتمل منظومة المجتمع معيشيا واقتصاديا وماليا.
ما تقدم ضرورة ونحن نناقش مشروع قانون ضريبة الدخل، بخاصة وان المشروع ينحى الى تعزيز الايرادات المالية للحكومة لجسر الفجوة المالية، وزيادة الاعتماد على الذات في عالم يكافح للعودة الى التعافي وتحقيق النمو الاقتصادي، وفي ظل ازمة مالية ما زالت تعصف بالاقتصاد العالمي، واحتجاجات واضطرابات سياسية واقتصادية وامنية تعصف بعدد من عواصم ما يسمى بـ الربيع العربي الذي دفع المنطقة عقود وسنوات الى الوراء.
وهنا فان رفع النسب الضريبية على الدخل للشركات والمؤسسات وصولا الى الافراد يجب ان يراعي اعتبارات مهمة بحيث يتيح القانون الجديد مساحة واسعة لنمو القطاعات الاقتصادية، وبلوغ درجة عالية من التكافؤ للمستثمرين، والبحث في كل قطاع على حدة، فالبنوك على سبيل المثال وان كانت الاكثر مساهمة في سلة ضريبة الدخل، الا انها لا تدفع الضريبة العامة على المبيعات، وهي المورد الاول والاكبر للايرادات المالية العامة والتي توسعت افقيا ورأسيا حتى طالت لقمة العيش والمأكولات الشعبية.
اما قطاع الاتصالات الذي يتحمل اعباء مالية كبيرة على شكل ضرائب ورسوم متعددة وتكاليف جديدة جراء زيادة اثمان الطاقة فوق تكاليف انتاج الطاقة بنسبة 40% ويتجاوز ما يدفعه القطاع نسبة تزيد عن 60% الى مجمل ايراداته، فأن اية ضرائب اضافية على القطاع قد تعيق تطوره باعتباره رافعة كبيرة من روافع النمو الاقتصادي، اما قطاع التعدين يتحمل الاخر اعتبارا من بداية العام الحالي تكاليف اضافية من الطاقة وزيادة الرواتب والاجور واجور النقل، كلها مجتمعة ستقلل من قدرة القطاع على تحقيق الارباح وتدني تنافسيته في اسواق التصدير.
وفيما يتعلق بالاعفاءات الخاصة بالافراد فان الابقاء على اعفاء 24 الف دينار لرب الاسرة هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وان استحداث شريحة جديدة من المكلفين من شأنه المساهمة في تحسين ايرادات المالية العامة، وتقاسم الاعباء في المجتمع، وفي هذا السياق يبقى متابعة التهرب الضريبي والجمركي الذي تعمق خلال السنوات القليلة الماضية، وتضييق هامش الاقتصاد الرمادي ( الانشطة الاقتصادية غير الخاضعة للضرائب على اشكالها) قد يؤدي لقفزة نوعية في زيادة الايرادات المالية، ويبقى اخيرا ان يتم ربط الضرائب بتحسين الخدمات للمواطنين والارتقاء بها.