لا تنسَ أن وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي اتُهم من جانب بعض كارهي «الإخوان» أثناء فترة حكم الدكتور محمد مرسي أنه «إخواني»! أو على الأقل يعمل لمصلحتهم، وأن قطاعاً من الشعب المصري كان يسأل عادة بعد سقوط ضحايا في صدامات «الإخوان» مع معارضيهم عند «الاتحادية» أو فوق المقطم مثلاً: أين الجيش؟ وكيف يسكت السيسي على ما يجري؟ كان الرجل وقتها يبعث برسائل مفادها أن الجيش مع الشعب، وفهم الناس بعدها أن تدخل القوات المسلحة لعزل الرئيس، بعد حوادث محدودة، قد يتسبب في حرب أهلية لكن تدخله لمصلحة الشعب بعد ثورة شعبية ينقذ البلاد من حرب أهلية.
بعض «الإخوان» البسطاء ما زالوا يعتقدون أن الدكتور محمد مرسي سيعود، ويجلس على المقعد الرئاسي في غضون أيام أو أسابيع. لا تناقش هؤلاء حيث لا جدوى من النقاش، ولا أمل أيضاً في الحديث إلى قادة الجماعة، إذ هم ماضون في طريق الصدام حتى النهاية. ولكن ما النهاية؟ وكيف سيدير السيسي البلاد، إذا صار رئيساً، في ظل هذا العداء الشديد من «الإخوان» له، وما مستقبل العلاقة بين الجيش والجماعة في ظل إصرار الجيش على حماية البلد، وسعي «الإخوان» إلى هدمها على من فيها؟
نجح «الإخوان» أولاً عند انطلاق ثورة يناير في استغلال تعاطف إنساني طبيعي وتلقائي تولد في المجتمع المصري بفعل سياسات الأنظمة السابقة، وكذلك استثمار محاولات قادة الجماعة ورموزها وأعضائها التنصل من عنف الماضي وتصويره على أنه وقع من دون رغبة الجماعة أو تخطيط منها أو رضى من مرشدها أو مكتب إرشادها، وحتى في سنوات العنف الديني التي عصفت بالمصريين بعد اغتيال السادات وتجددت باغتيال رئيس مجلس الشعب الدكتور رفعت المحجوب عام 1990 وما جرى خلال ذلك العقد من عمليات ضرب السياحة واغتيال الدكتور فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ وتعرض أقطاب حكم مبارك لمحاولات اغتيال متتالية، كما جرى لرئيس الوزراء عاطف صدقي ووزير الداخلية حسن الألفي ووزير الإعلام صفوت الشريف ثم محاولة اغتيال مبارك نفسه في أديس أبابا والعمليات التي استهدفت القطارات والفنادق والمقاهي والبنوك وحتى نهاية العقد التالي حيث جرى استهداف الأقباط، إضافة إلى رموز الشرطة وكبار المسؤولين، كان «الإخوان» دائماً أول من يدين وأسرع من يشجب وأول من يرفض الإرهاب والإرهابيين. نجح «الإخوان» مع الثورة وبعدها لفترة في استخدام ذلك التعاطف الإنساني وترجمته إلى دعم ومساندة وتأييد لهم في الشارع وكذلك أصوات المقترعين التي صبت لمصلحة مرشحيهم في الانتخابات البرلمانية ومرشحهم في الانتخابات الرئاسية، لكنهم عندما سعوا إلى تفعيل ذلك التعاطف بعد خلع مرسي لم يجدوه إذ كان انقلب إلى غضب منهم وندم عليهم وأسى على أفعالهم. لذلك لم ينتفض المصريون للدفاع عن «الإخوان» في رابعة، ولم يثوروا للمطالبة بعودة مرسي ولم يحتشدوا في الميادين للاحتجاج على محاكمة قادة الجماعة.
ببساطة اكتشف المصريون أن الجماعة ليست نموذجاً مختلفاً عن باقي النماذج التي عرفوها طوال عقود، وأن الحكم الإسلامي لمصر طوال سنة لم يقدم سوى الخراب والاستقطاب والاستحواذ، وأن الدين جرت المتاجرة به وليس العمل بقيمه وتعاليمه ونصوصه. الغضب أيضاً على «الإخوان» كان نتيجة فشلهم في الحكم ودفاعهم عن فشلهم وعدم الإقرار بالإخفاق. يدرك قادة الجماعة تماماً أن عودتهم إلى الحكم مستحيلة، لكنهم يعتقدون أن الحفاظ على التنظيم والإبقاء عليه والحؤول دون انهياره يستدعي المضي في الصدام إلى آخر مدى. الهدف بالنسبة لهم الآن ليس الحكم وإنما إحداث مغالطة في التاريخ من أجل الإبقاء على التنظيم في المستقبل، بمعنى ألا تضيع الفكرة وتذوب بين الضجيج أو وسط الأحداث أو بفعل تراكم الغضب الشعبي ضدهم. لا فرق كبير لدى «الإخوان» بين الداخل والخارج. فإذا كان للجماعة أعضاء داخل مصر فإن لها امتدادات وفروعاً في الخارج و «إخواناً» يدينون بالولاء للمرشد نفسه والفكرة ذاتها. يسعى قادة الجماعة الآن إلى الحفاظ على الفكرة كمخزون استراتيجي للأجيال القادمة في مواجهة توحد المجتمع المصري بدرجة كبيرة في شخص وزير الدفاع المشير السيسي وثورة 30 يونيو التي تفادت أخطاء ثورة يناير. لا مجال للسؤال أصلاً عن مستقبل العلاقة بين السيسي أو الجيش، وبين الجماعة أو كل «الإخوان»… فالجماعة تكتب نهايتها.