عبدالله اسكندر/الإرهاب في لبنان

أثبتت التجربة في كل البلدان التي ضربها الإرهاب، بأشكاله المختلفة، أن الإجراءات الأمنية وحدها، مهما كانت شديدة، لم تمنع الظاهرة. لقد تمكنت أجهزة قوية في دول عدة من الحد من تنفيذ عمليات إرهابية إلى مستويات دنيا، سواء عبر العمل الاستخباراتي والرصد أو سواء عبر الضربات الاستباقية. لكن مثل هذه الظروف ليست متوافرة في كل البلدان، خصوصاً تلك التي تعاني ضعفاً في بنيتها الوطنية وخلافات أهلية وأجهزة يشوب الغموض مرجعياتها.
لكن الظاهرة في لبنان الذي بات ساحة مكشوفة للإرهاب المتجول الذي يضرب عشوائياً، وبوتيرة متزايدة، لا تكشف الضعف في البنية المؤسساتية للدولة والخلافات الأهلية وتماهي هذا الإرهاب مع الانشطار الأهلي – الطائفي، وإنما أيضاً تؤكد أن الوطن اللبناني بات على فوهة البركان المندلع في الإقليم، وجبهة في المعركة المندلعة من باكستان، مروراً بالخليج واليمن، وصولاً إلى العراق وسورية.
الإرهابيون والانتحاريون القادمون من الخارج، المسلحون بفكر تكفيري اختزالي للحياة والآخرة، والذين يفترضون أن «أبواب الجنة» تفتح لهم في لبنان، ما كانوا يحققون أغراضهم بهذه السهولة لولا انخراطهم في تضاريس الانشطار الأهلي اللبناني الذي يجعل لبنانيين يشعرون بأنهم جزء من هذه المعركة العابرة لحدود الدول. لقد تخلى لبنانيون طوعاً، ولأسباب أيديولوجية، عن وطنهم من اجل معركة دموية تدور خارج حدوده.
هذا الانحياز الأهلي، خصوصاً كما تمثل في سورية، ادخل تعقيدات كثيرة على الحياة السياسية اللبنانية وانعكس مزيداً من إضعاف الدولة وتسارعاً في الانهيار الاقتصادي. لكنه أيضاً زاد عمق الهوة في الانشطار الأهلي، الذي بدوره يستدعي العنف والإرهاب.
صحيح أن موجة الإرهاب الحالية في لبنان ليست نتيجة خلافات الأطراف اللبنانيين على تشكيل حكومة، وإن كانت مساعي تشكيلها تصطدم منذ شهور طويلة بتعنت وتصلب من هنا وهناك. فالضعف في أداء الدولة، حتى في ظل حكومة كاملة الصلاحيات، يرتبط بمراعاة الحساسيات الطائفية المغذية للانشطار الأهلي. وإنما تكمن المشكلة في رفض الأطراف اللبنانيين سياسة «النأي بالنفس» التي ينبغي أن تقترن بالامتناع عن الانخراط في النزاع العابر للحدود، واعتبار أن مصلحة طرف لبناني ما تكمن في ضمان مصلحة الشريك الآخر في الوطن. بما يسد الشقوق في النسيج الداخلي ويجسر الهوة في الانشطار الأهلي، بما يحرم الإرهاب المتجول من البيئة المحلية المناسبة.
تشكيل الحكومات هو المناسبة الفضلى لكي يظهر الجميع القناعة بأنهم يمكن أن يتعايشوا في إطار تنفيذي واحد، خصوصاً في الوقت الراهن. وتزداد ضرورة تبادل التنازلات إلحاحاً عندما يواجه الوطن، كما هو الوضع حالياً، خطراً وجودياً. وليست عرقلة التشكيل، لأسباب أنانية، اقل خطورة من احتضان العنف والتحريض عليه. إذ إن استمرار الفراغ التنفيذي في ذاته يجعل الساحة بيئة جاذبة للإرهاب، خصوصاً ذلك القادم من الخارج.
كما كانت الاشتباكات في مدينة طرابلس، في إحدى مراحلها، امتداداً لمعارك القصير السورية، لن يستطيع اللبنانيون حماية انفسهم من العمليات الإرهابية ما لم ينأوا بأنفسهم عن المواجهات في محافظة الأنبار العراقية، أو عن العنف الطائفي في باكستان. وهذه أولى خطوات الحد من ظاهرة الإرهاب المتجول.

Related posts

الضيف «اللي ما يجيب»* الحيف بشار جرار

بعد 400 يوم.. المخطوفون ما يزالون بغزة* ريفكا نارييه بن شاحر

خطاب ولي العهد وتحديات المناخ ( كل روحٍ تستحقُ القتال لأجلها )* النائب محمد يحيى المحارمة