عند تشكيل الدولة الإسرائيلية رسميًّا في عام 1948 وفي بيان الإعلان عنها تم التأكيد على عدة مبادئ من بينها:” الدولة اليهودية ” و” قانون العودة”، وبموجب هذين المبدأين فإن “إسرائيل ملتزمة بلم شمل اليهود من مختلف أنحاء العالم أو من يتهودون والذين لهم الحق في العودة، والحصول على الجنسية، والعيش في إسرائيل كمواطنين إسرائيليين”. هذا إضافة إلى الاستمرار في الترويج لمفهوم” الشعب اليهودي” و”القومية اليهودية” و”الأمة اليهودية”. منذ تلك اللحظة فإن إسرائيل تسعى لتحصين”يهودية دولتها”. مؤخراً وإبان تسلم تسيبي ليفني لحقيبة الخارجية، عملت على إعادة إحياء هذا الشعار القديم الجديد. نتنياهو وعند تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية أخذ هذه الفكرة وطورّها إلى، ضرورة اعتراف دولي بها. بالفعل اعترفت به دول عديدة في العالم من بينها: الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى غيرهما. لم يكتف نتنياهو بذلك بل أخذ يشترط على العرب والفلسطينيين: الاعتراف بها مقابل إجراء التسويات (والتي هي حلول إسرائيلية) للصراع مع الطرفين.
كترجمة عملية لهذا الشعار، بدأت إسرائيل مؤخراً سنّ مشاريع قوانين في الكنيست توضح وتفصّل فيها الأسس الاستراتيجية القانونية للشعار. لقد سارع رئيس كتلة الائتلاف الحاكم النائب المستوطن ياريف لفين إلى إعادة ما يسمى” قانون دولة القومية ” وهو مشروع قرار كانت قد اقترحته الأطراف الأكثر تشدداً في الكنيست السابقة، وبسبب من حل الكنيست لم تتم قراءتاه الثانية والثالثة ليصبح قانونا. خلال الكنيست الحالية (وهي الأكثر تطرفاً من السابقة)، فإن صياغة القانون تحولت إلى” أرض إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي”. ليس هذا فقط، وإنما تمت صياغة قانون آخر سيجري تقديمه إلى الكنيست الحالية تحت عنوان” اللوبي من أجل أرض إسرائيل”. في الشرح (المبُهم) للقانون يحدد”أرض إسرائيل” بـ” أرض فلسطين التاريخية” التي تعني كل فلسطين عمليًّا (من النهر إلى البحر). في حالة سن مثل هذا القانون فإنه سيقطع الطريق على أية حكومة إسرائيلية حالية أو قادمة، الانسحاب من الضفة الغربية (التي هي بالمفهوم الإسرائيلي يهودا والسامرة). وبذلك سوف لن يتم إقامة دولة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف، هذه هي المرحلة الأولى. أما ما قد يحصل مستقبلاً من تطوير للقانون، فقد يتحول إلى “أرض إسرائيل التاريخية” وهذل ليس ببعيد بالطبع، وسيصبح تفسير القانون بأنه ” أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”. مشروع قانون آخر يقترحه لفين (وللعلم فإن ما حصل عليه المشروعان من أصوات مؤيدة بين أعضاء الكنيست بعد القراءة الأولى تؤهلانهما ليصبحا قانونين بعد القراءتين الثانية والثالثة في الكنيست) جاء بصيغة ” إعطاء الأولوية في التطبيق القانوني، للقيم اليهودية”. أي أن المرجعية الأساسية لتفسيرات القوانين الإسرائيلية هي “القيم اليهودية” وليس النظام الديموقراطي (الذي تدّعيه إسرائيل). في تفسير المشروعين يرد: الحق في الحصول على الأرض والمسكن هو لليهود. كما يدعو مشروع القانون إلى شطب اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في الكيان الصهيوني. هذا المشروع له أساس قانوني في إسرائيل، إذ من المعروف أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحيم بيجين قامت بتحصين الطابع اليهودي للدولة في القوانين والتعليمات الإسرائيلية فيما يتعلق بقرارات محكمة العدل العليا، وذلك بإصدار قانون ينص على ما يلي: “عندما تواجه المحكمة بسؤال قانوني يتطلب قراراً لا يوجد له جواب في القانون الوصفي ـ قانون الحالة ـ أو من خلال التحليل، ” يتوجب على المحكمة أن تقرر في ضوء مبادئ الحرية العدالة المساواة والسلام الخاصة بالتراث اليهودي”.
كما يُلاحظ، فإن شعار يهودية الدولة يجري على مراحل، ولم تكن إسرائيل متسرعة في تطبيقه وإنما يجيء هذا التطبيق بعد فرضها لوقائع كثيرة على الأرض، حيث هناك تقبل فلسطيني رسمي وعربي رسمي لوجودها في المنطقة، ولذلك كانت اتفاقيات أوسلو وكمب ديفيد ووادي عربة، ثم فيما بعد جاءت ما تسمى” بمبادرة السلام العربية ” التي أطلقتها قمة بيروت في عام 2002. إن الاعتراف”بيهودية إسرائيل” يعني:
أولاً: اعتراف بالأساطير التضليلية للحركة الصهيونية:”شعب بلا أرض،لأرض بلا شعب” و”فلسطين الوطن التاريخي لليهود”، و”أرض الميعاد” ،”الحق التاريخي لليهود في فلسطين”وغيرها. ذلك يعني صحة الرواية الإسرائيلية لتاريخ فلسطين منذ ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد وحتى هذه اللحظة. بالمقابل يعني أيضا : عدم صحة التاريخ العربي والإسلامي لفلسطين، وأن العرب والفلسطينيين ليسوا أكثر من “غزاة احتلوا أرض فلسطين عنوة” وجاءت إسرائيل لتحرر يهودا والسامرة من استعمارهم، ولتعيد الحق إلى نصابه، وأن التحرير لم يكتمل بعد ولن يكتمل إلا بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. ذلك يعني أيضاً: نفي الأسماء العربية عن المدن الفلسطينية المحتلة وكذلك القرى والمناطق والجبال وغيرها، وصحة الخطوة الإسرائيلية في هدم أكثر من 475 قرية فلسطينية وإزالتها عن الخارطة وهكذا دواليك.
ثانياً: إسقاط قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة مثل باقي دول العالم، كما يعني صحة ومشروعية “تهويد القدس”، وبأن”المدينة المقدسية هي العاصمة التاريخية والأبدية لدولة إسرائيل” وصحة وجود هيكل سليمان في مكان المسجد الأقصى. وإضفاء شرعية على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في عام 1967، وهذا يخدم أيضاً مقولة عدم الانسحاب من الضفة الغربية باعتبارها “يهودا والسامرة”. وتعني أيضاً أن إسرائيل “تتكرم”عندما توافق على إعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتيًّا منزوعاً من أي سيادة، وصحة القرارات الإسرائيلية بالتواجد العسكري الإسرائيلي في منطقة غور الأردن، وحق الجيش الإسرائيلي في اقتحام المناطق الفلسطينية كلما رأى ذلك ضروريًّا.
ثالثاً: صحة ودقة التعريف الإسرائيلي لمفهوم”الأمن” وأن من واجب السلطة الفلسطينية والدول العربية كافة العمل للحفاظ على هذا الأمن، وأنه ممنوع على الدول العربية ودول المنطقة (التي تهدد إسرائيل) امتلاك أية أسلحة ثقيلة قد تهدد الأمن الإسرائيلي، لا الآن ولا مستقبلاً. وأن من حق إسرائيل امتلاك أحدث أنواع الأسلحة (باعتبارها لا تقوم بتهديد الدول العربية وإنما الأخيرة هي من تقوم بتهديدها).
رابعاً: إسقاط حل الدولتين، ففلسطين هي”الوطن التاريخي للشعب اليهودي” وبالتالي أين حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم؟ كما يعني إسقاط حل الدولة الديموقراطية الواحدة، فلن يعيش في فلسطين سوى اليهود والفلسطينيين غرباء فأين الحق بإعطائهم دولة؟ الاعتراف”بيهودية إسرائيل” يعني أيضاً: إسقاط إمكانية الدولة الثنائية القومية، فلن يعيش في فلسطين سوى أبناء” القومية اليهودية” فلا وجود لقومية أخرى في إسرائيل. كما يعني إسقاط حل” الدولة لكل مواطنيها” فلا مجال للقوميات والإثنيات الأخرى للعيش في دولة إسرائيل.
خامساً: إمكانية إجراء ترانسفير لأهالي منطقة 48، وقد بدأت إسرائيل هذه الخطوة باقتراح نقل منطقة المثلث (المكتظة بالفلسطينيين ـ حوالي 300 ألف فلسطيني) إلى مناطق السلطة الفلسطينية، أما حول الترانسفير فربما يجري بطريقة غير مباشرة، من خلال: وضع الفلسطينيين في منطقة 48 في أحوال سياسية اقتصادية اجتماعية تسوء بشكل متسارع، الأمر الذي يؤدي بهم إلى الخروج الطوعي من فلسطين، وربما ستأتي ظروف مواتية لطرد العرب مباشرةً.
أيضاً فإن ذلك يعني حق إسرائيل في الاستيطان في الضفة الغربية (باعتبارها أرضاً إسرائيلية). ويعني صحة الخطوة الإسرائيلية في طرد وتهجير حوالي ثلاثة أرباع مليون فلسطيني في عام 1948 والاستيلاء على أراضيهم وغيرها من أشكال الاعتراف بما تقوم به إسرائيل.
يبقى القول: إن إسرائيل تدرك ما تعنيه “يهوديتها” لذا تصر على الاعتراف الفلسطيني والعربي بهذا الشعار؟!.