العزب الطيب الطاهر /ثلاث سنوات على ثورة يناير

أمس الأول – السبت – مر على ثورة الخامس والعشرين من يناير في المحروسة ثلاث سنوات بالتمام والكمال وهي ثورة بكل المقاييس غزلها نفر من شباب الوطن ثم انضمت إليهم الملايين من الشعب المصري الذين خرجوا مطالبين بإنهاء نظام مبارك الاستبدادي ومطالبين بالحرية والعيش والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وفي تلك الأيام توجهت مع ابنتيّ الصغيرتين: شروق وأريج إلى ميدان التحرير وكانت أول إطلالة لهما على المشهد السياسي في مصر وشاركتا في ترديد الهتافات المطالبة برحيل مبارك وإسقاط نظامه ومن هذه اللحظة تشكل لديهما ولدى باقي أفراد أسرتي التي أقامت بالدوحة زهاء 15 عاما الانتماء للوطن.
وبعد رحيل مبارك تحول منزلي إلى خلية سياسية -إن صح القول – وباتت مفردات الديمقراطية والتعددية والانتماء والثورة وغيرها من مفردات اللحظة هي التي تتردد في حواراتنا بعد أن كان أغلب أفراد أسرتي في حالة قطيعة مع المشهد السياسي.
كانت البهجة بالثورة بلا حدود وهي سمة اشترك فيها كل المصريين الذين تمكنوا من إجبار نظام ظل مهيمنا على صدورهم أكثر من ثلاثين عاما وتمددت هذه الحالة إلى الروح المصرية الأصيلة فتجلى التضامن والتكاتف وترسخ الأمل في صياغة واقع جديد ينحاز لبناء وطن ينهض على المواطنة ورفض التمييز ويعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية التي غابت أو غيبت قسرا بعد أن فرض تحالف السلطة والمال سطوته على هذا الواقع الأمر الذي أعاد الطبقية التي كانت سائدة قبل ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 على نحو أكثر بشاعة.
ولم تمض سوى أشهر قليلة على ثورة الخامس والعشرين من يناير حتى شعر المصريون بأن الثورة لا تتقدم بل ثمة من يعمل على دفعها للتراجع في ظل رؤية ضيقة للمجلس العسكري الذي تولى مقاليد البلاد وإن كانت قد اتخذت إجراءات ضد مبارك ورموز نظامه ودخلت المحروسة في دوامة من العنف المتوالي الذي لا يعلم أحد حتى الآن من الذي كان يشعله ويتسبب في إضافة المزيد من الشهداء والمصابين وعندما أجريت الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية والتي أفضت إلى وصول الدكتور محمد مرسي القيادي الإخواني ورئيس حزب الحرية والعدالة إلى رئاسة الدولة بدا أن قدرا من التفاؤل آخذ في التبلور خاصة أن طروحاته تبنت مبادئ الثورة وأعلن انحيازه لبناء الدولة الديمقراطية والمدنية القائمة على التعددية والسعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية غير أنه سرعان ما وقع التراجع عن هذه الأفكار وظهر ما يمكن وصفه بمحاولة تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على مفاصل الدولة المصرية وهو أمر كان من السهولة أن يتم لو أن إستراتيجية الجماعة استندت على معادلة تقوم على تلبية أشواق المصريين والتعامل بجدية مع معضلاتهم اليومية مثلما فعل رجب طيب أردوغان وحزبه في تركيا وهي المعادلة التي أدت إلى أن يبقى في السلطة لثلاث فترات حقق خلالها الكثير من التحولات المهمة للمواطن التركي خاصة على صعيد الخدمات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي جعل حزبه يتصدر الانتخابات البرلمانية ويحقق الأغلبية المريحة في مجلس النواب.
وأكثر الظن أن مرسي لم يتمكن من الخروج عن توجهات الجماعة ومكتب إرشادها والتي كانت تتسم بضيق أفق سياسي لم تنفتح على كل مفردات الواقع المصري الذي من الصعب أن يحكمه فصيل أو تنظيم أو قوة سياسية واحدة ولكنه يحتاج إلى صيغة توافق وطني لم تنجح الجماعة في بلورة عناصرها والتواصل بشأنها مع القوى الأخرى بل عملت على إقصائها وفرض منظورها مثلما حدث في الإعلان الدستوري الأول لمرسي بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى الرئاسة والذي قطع كل الشعيرات التي كانت متبقية مع هذه القوى ثم تلا ذلك إقرار دستور لم يراع مطالب وتوجهات باقي فئات المجتمع وإنما كان تعبيرا عن رؤية تيار الإسلامي الذي سكنته مشاعر فياضة بالقوة.
وتبلور التيار الرافض لتوجهات الجماعة ورئيسها في وقائع ثورة الثلاثين من يونيو التي فرضت واقعا جديدا يسعى إلى تحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير وفق ما أطلق عليه خارطة المستقبل والتي كانت بدايتها موفقة للغاية متمثلة في إقرار دستور جديد يكرس المواطنة والتعددية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في الواقع المصري والذي حظي بالتفاف شعبي كاسح في عملية استفتاء اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق تقارير منظمات محلية ودولية راقبته على مدى يومي 14و15 يناير الجاري
وثمة من يسأل هل جاءت ثورة الثلاثين من يونيو لإزاحة ثورة الخامس والعشرين من يناير؟
والإجابة في تقديري بالنفي فالثورة الأولى هي الأساس ولكن تعرضت مبادئها وأفكارها إلى قدر كبير من الترهل والتجاوز بل ومحاولة القفز عليها من كل حكومات ما بعد الخامس والعشرين من يناير ومن ثم كان من الضروري أن يتحرك الشعب المصري وبملايين أكثر من ملايين يناير لتصحيح مسار الثورة وإعادة الاعتبار لأهدافها وتوجهاتها وبعيدا عن الشخصنة السائدة حاليا في المشهد السياسي يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات التي أراها ضرورية في هذه المرحلة:
أولا: ثمة أصوات ووجوه ورموز تنتمي إلى نظام مبارك الكريه تسعى إلى الظهور في المرحلة الراهنة بل بدأت تعلن عن نفسها في تجمعات وكتل سياسية وهو ما أثار المخاوف على مصير يناير بل ويونيو خاصة مع أحكام البراءة التي طالت العديد من قيادات هذا النظام وهو ما يستوجب من القيادة السياسية الحالية حسم موقفها من هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحا بدلا من التعبيرات الفضفاضة.
ثانيا: إقدام السلطات الأمنية على ملاحقة بعض من شباب ثورة يناير ووضعهم في السجون وتحويلهم إلى محاكمات وهو ما اعتبر نوعا من الانتقام منهم لدورهم في محاولة إسقاط منظومة الأمن في الثامن والعشرين من يناير 2011 الأمر ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل جرى تسريب ما أطلق عليه اتصالات مريبة قام بها هؤلاء الشباب مع جهات خارجية لوسائل إعلام محلية مما يلقي بظلال من الشك على طبيعة دورهم في هذه الثورة بحسبانه كان جزءا من مؤامرة على الدولة المصرية واللافت أن وزير الداخلية الحالي اللواء محمد إبراهيم قد تنصل من مسؤولية تسريب هذه الاتصالات وذلك يؤشر أن ثمة جهات تحاول أن تشوه صورة هؤلاء الشباب وهو ما يستوجب إعلانا صريحا من الدولة المصرية بوطنية هؤلاء الشباب إلا من تثبت عليه تهمة الاتصال بالخارج للحصول على تمويل أو دعم فهنا ينبغي توفير المحاسبة القانونية والقضائية وبشكل علني.
ثالثا: إن المحروسة تعيش متوالية من العنف الأمر الذي يسفر كل يوم عن المزيد من الدماء التي تراق لمصريين وهو ما يتطلب من الجماعات التي تنتهج هذا العنف أن تتوقف عنه لأنه لن يوفر لها أي إمكانية لعودة أوضاع ما قبل الثلاثين من يونيو وفي الوقت نفسه فإن السلطة مطالبة التوقف عن تبني الحلول الأمنية فقط وإنما يتعين عليها تبني الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تحشد حولها الملايين ولاشك إقرار الدستور الجديد شكل الخطوة الأولى في هذا المسار وعليها أن تواصل تطبيق باقي الخطوات وفي المقدمة منها إعلاء قيمة المواطنة واتخاذ خطوات ملموسة على طريق العدالة الاجتماعية يشعر بها المواطن في حياته اليومية.

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار