نجحت مصر رغم الصعوبات والضغوط الخارجية والداخلية التي واجهتها في اجتياز الخطوة الأولى من خطوات خارطة المرحلة الانتقالية بإقرار الدستور الجديد الذي حظي بمشاركة واسعة من المواطنين تعد هي الأكبر في تاريخ الاستفتاءات التي شهدتها مصر منذ عقود حيث شارك لأول مرة ما يزيد عن 20 مليون ناخب في عملية الاستفتاء على الدستور بما يمثل 39% من عدد من يحق لهم التصويت، وهي نسبة عالية مقارنة بدستور العام 2012 في ظل حكم جماعة الإخوان الذي حظي بنسبة مشاركة بلغت 32% فقط، وهي نسبة كانت تعد وقتها هي الأكبر أيضا .. إلا أن اللافت أيضا أن نسبة الموافقة على الدستور الجديد بلغت 98%، بينما كانت 63،8% في دستور الإخوان الذي وافق عليه نحو 6 ملايين ناخب بينما عدد الرافضين للدستور الجديد ما يقرب من 400 ألف ناخب فقط حسب النتائج النهائية والرسمية!!
أهم النتائج التي خرجت بها مصر من إقرار الدستور أن نسبة المشاركة الكثيفة في الاستفتاء أكدت للعالم أن الـ30 من يونيو ثورة شعبية عكس ما كان يروج له أنصار جماعة الإخوان المسلمين, كما أن الفارق الكبير بين نسب المشاركة في الدستور الجديد ودستور العالم 2012 يوضح الحجم الضئيل لكتلة الإخوان التصويتية التي لا تزيد على 5 ملايين صوت، وهي كتلة بالتالي يمكن هزيمتها بسهولة، وهذا ما أكدته نتائج الاستفتاء ونسبة المشاركة فيه رغم مقاطة جماعة الإخوان وأنصارها له .. أما أبرز النتائج فهو أن الاستفتاء على هذا الدستور كان بمثابة استفتاء على نهاية حكم الإخوان والتأكيد على شرعية ثورة الـ30 من يونيو وتأييد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، حيث إن التصويت بـ”نعم” على الدستور كان بمثابة صك الشرعية لخارطة الطريق التي تسير مصر على خطاها!!
لقد اعتبرت قيادات سابقة منشقة عن جماعة الإخوان المسلمين أن مستقبل الجماعة انتهى بعد نزول الشعب المصري بالملايين وتأييده للدستور الجديد وفشل دعوتها للمقاطعة، وقال سامح عيد الباحث في شؤون الإسلام السياسي إنه بعد نتيجة الاستفتاء لا يوجد مستقبل سياسي لجماعة الإخوان في المرحلة المقبلة، فهي جماعة عزلت نفسها ودخلت في صراع مع المجتمع، وأصبحت هناك حالة كراهية غير عادية في المجتمع تجاهها، داعيا شباب الإخوان إلى المشاركة في الحياة السياسية بعيدا عنها؛ لأن العمل تحت غطائها انتهى متوقعا انحسار المظاهرات الإخوانية خلال المرحلة المقبلة، بينما أكد الدكتور عبدالستار المليجي عضو مجلس شورى الإخوان المستقيل أن جماعة الإخوان لم يعد لها وجود على أرض الواقع، وأن نتيجة الاستفتاء أصابت قيادات التنظيم بالانتحار النفسي؛ لأن نظام الحكم الجديد نجح في تثبيت أركانه وحصل على موافقة الشعب!!
المرأة المصرية .. كانت هي أبرز مشاهد الاستفتاء على الدستور حيث يعود إليها الفضل في ارتفاع نسبة المشاركة بعد أن شاركت بقوة، وكان لها دور بارز أمام اللجان الانتخابية، سواء كانت في الريف أو في المدينة .. عجوز كانت أو شابة .. خرجت لتقول “نعم” للدستور الجديد، وهو ما أضفى على المشهد من بهجة وروح وطنية شجعت الكثيرين على النزول والإدلاء بأصواتهم في لجان الانتخاب، ما يؤكد على نمو الوعي الوطني والثقافي لدى المرأة المصرية ودورها الهام والمؤثر في المشهد السياسي والاجتماعي، وهو ما أثار غضب جماعة الإخوان وأصابها بالغيظ فامتلأت صفحاتهم الإلكترونية بالكلمات المسمومة التي وصفت النساء اللاتي نزلن الاستفتاء وأدلين بأصواتهن بـ”الغانيات”، مستعينين بفيديوهات الغناء والرقص وزغاريد النساء أمام مراكز الاقتراع لإثبات اتهاماتهم!!
الانتقاد الوحيد الذي واجهته مصر تجاه عملية الاستفتاء على الدستور هو حالة الاستقطاب التي سبقت تلك العملية للتصويت بنعم على الدستور، وهو ما انتقده مركز “كارتر” حيث إنه في الفترة التي سبقت التصويت على الدستور دعت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة والملصقات في الشوارع الناخبين إلى التصويت بـ”نعم”، فضلا عن دعوات القائمين على الحكم والأزهر والكنيسة للمواطنين للمشاركة بقوة في عملية الاستفتاء بشكل كان مبالغا فيه إلى حد كبير، وهو الأمر الذي لفت انتباه المراقبين الدوليين والمحليين الذين أشرفوا على عملية الاستفتاء. كما أن هناك من أرجع المشاركة الواسعة للمرأة إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الذي خص الأم المصرية بالنزول وبصحبتها أبناؤها للمشاركة في الاستفتاء على الدستور!!
المهم .. قضي الأمر وأصبح لمصر دستورها الجديد .. فماذا بعد أن انتهت الخطوة الأولى من خارطة الطريق؟ .. هل ستشهد مصر في الخطوة الثانية الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية حسب ما هو محدد سلفا من خطوات؟! .. لقد بات من الواضح أن هناك شبه إجماع على إجراء الانتخابات الرئاسية أولا حيث أكدت مصادر رئاسية أن اللجنة القانونية ستبدأ خلال أيام إجراء تعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية ليتوافق مع الدستور الجديد، حيث إن شروط الترشح للرئاسة الواردة في قانون الانتخابات الرئاسية الحالي تتعارض مع مواد الدستور الجديد، وهو ما يعني أن مصر مقبلة على إجراء الانتخابات الرئاسية أولا والتي من المنتظر أن يتم فتح باب الترشح لهذه الانتخابات منتصف مارس المقبل على أن يجري الاقتراع نهاية إبريل على أن يتم فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية نهاية يوليو المقبل!!
الإخوان بدورهم لا يزالون مصرين على المواجهة ورفض ما يسمونه بالانقلاب وأعلنوا ما أطلقوا عليه “التصعيد الثوري” وخرجت بيانات إخوانية تدعو أنصار جماعة الإخوان إلى النزول إلى الشوارع والميادين لاسترداد ثورتهم غدا في الذكرى الثالثة لأحداث الـ25 من يناير العام 2011 حتى لو تطلب الأمر اللجوء إلى العنف، بل وهناك من يردد منهم بأن الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي سوف يعود إلى الحكم غدا بعد دحر الانقلاب، وهو ما يعني أن مصر مقبلة على موجة جديدة من العنف لن تنعم فيها بالهدوء والاستقرار في ظل دستورها الجديد!!