اختصر المدعي العام للمحكمة الدولية نورمان فاريل جوهر القضية التي هزت كيان هذا البلد الممزق، عندما وقف معلناً امام العالم، وبعد مرور تسعة اعوام كانت حافلة بالتشكيك والشكوك وحتى اليأس انه “يحق للشعب اللبناني ان تجرى هذه المحاكمة ومعرفة الحقيقة وهوية المرتكبين ورفع الغطاء عنهم” في تلك الجريمة الاشد بشاعة في تاريخنا الدامي.
نعم يحق للبنانيين ان تجرى المحاكمة وان تعرف الحقيقة ليس لأن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان يريد ان يجعل من لبنان درة آسيا قد اغتيل مع رفاقه الشهداء بأكثر الطرق وحشية فحسب، بل لأن الجريمة كانت تستهدف اغتيال لبنان الوطن، الذي ترنح ولا يزال على ايقاع الدم المسفوح بالحديد والنار، فتوالى سقوط الشهداء وكان آخرهم الصديق محمد شطح الدمث والراقي والمحب.
منذ اللحظة الاولى لجريمة 14 شباط 2005 اخترت لزاويتي هذه ذلك العنوان الذي سيصبح شعاراً وطنياً اي: “الحقيقة من اجل لبنان”، فقد كان واضحاً وجلياً تماماً ان اغتيال رفيق الحريري، هو عملياً محاولة واضحة لاغتيال لبنان، لكن الدم كان اقوى من السيف فخرج الاحتلال السوري على دوي دم الحريري ورفاقه.
خرج الاحتلال وبقي ورثته ومقاولوه، وكان لنا نحن في “النهار” ان نتجرع الكأس المفعمة بالألم تكراراً، وان نختنق بدم احبائنا الشهداء، الحي منهم الصديق مروان حمادة والغائبين الحاضرين الزميل سمير قصير ثم الحبيب جبران تويني، الذي اغتيل لأنه كان يحمل في اعماق وجدانه وروحه ذلك القسم الذي اختار ان يطلقه في جماهير 14 آذار كوصية تختصر معنى لبنان التعايش وقيمته الحضارية بين الامم، وفيه قَرَنَ بتهافت المؤمن، العظمة بالله وبلبنان… فالله عظيم ولبنان العظيم!
كل ما فعله سعد الحريري في السياسة والمسؤولية في كفة ووقوفه امام المحكمة الدولية في لاهاي في كفة، حيث اعلن فعل ايمانه: “ان وجودنا هنا اليوم هو في حد ذاته دليل على ان موقفنا منذ اللحظة الاولى وفي كل لحظة، كان وسيبقى طلب العدالة لا الثأر وطلب القصاص لا الانتقام”، لأن ذلك يعني ضمناً اننا امام محكمة تنظر في جريمة كان هدفها فعلاً قتل وطن بذاته عبر اغتيال رجاله الاشراف والعدد يطول.
وكل ما قدمته نازك الحريري وعائلتها في تسعة اعوام من تضرعات وما تلحّفته من آلام ودموع في كفة، ومواكبتها وقائع لاهاي التي تضيف وقائع وقرائن وأدلة الى البيان الاتهامي في كفة، كذلك الامر عند بهية الحريري التي لم تصدق بعد، وكذلك ايضاً بالنسبة الى معظم اللبنانيين الذين عرفوا ويعرفون ان جسد لبنان الذي نزف من جروح رفيق الحريري يستحق العدالة… والحياة.