مؤسف جدا ان تضطر وزارة المياه للاستعانة بالقوات المسلحة او بقوات الدرك حتى تغلق بعض الابار غير الشرعية التي اقامها ـ بهدف التجارة الحرام ـ لصوص المياه، وهم بكل الاحوال منا وفينا وبيننا.
مؤسف اكثر تفاخر الحكومة بانها نجحت في ردم او اغلاق 160 بئرا مخالفة من 1000 بئر مرصودة في اطار الجريمة نفسها، حيث يسود هنا منطق توجيه رسالة الى لصوص المياه وفلسفة استعادة هيبة الدولة والقانون بالتدريج.
المزعج الى حد الرعب ان نضطر للتفكير بوجود شرطي او دركي او جندي مهمته حماية حدودنا وترابنا وأعراضنا ومالنا على كل نقطة تحويل مياه او محطة تحويل كهرباء او قاعة امتحان للثانوية العامة.
لا بد من الاعتراف بان ظاهرة الانفلات الامني والاعتداء على القانون ظاهرة شعبية بالمقام الاول، لكنها ايضا ظاهرة انتجت كوصفة بائسة للعبور من الربيع العربي في بعض مؤسسات القرار الرسمي، وبالتالي فالتراخي طوال العامين الماضيين شريك بهذا الانفلات.
ولا بد من الاقرار بان فطرة استعادة هيبة الدولة بالتدريج جيدة ولا يمكن بكل الاحوال الاعتراض عليها، لكن الهيبات الوطنية ينبغي ان لا تخضع وبصرف النظر عن اي اعتبارات لخصومات بائسة من هذا النوع، فمن يمارس الاعتداء على هيبة القانون والدولة عندما يحفر بئرا او يسرق تيارا كهربائيا او يسرب سؤالا في الامتحان يعتدي في الواقع على احلام الاردنيين ومستقبلهم، وجريمته بالتالي مزدوجة وتتجاوز في تاثيرها القاتل تلك الجرائم الجنائية الفردية.
لا ينبغي منح المنفلتين والمجرمين واللصوص بصرف النظر عن هويتهم ومكانهم فرصة الاسترخاء او اية مساحة من الدلال والتكارم والتعاطف تحت ستار ما تسميه الاوساط الرسمية بالتوازن الاجتماعي. فضحايا العنف المجتمعي والانفلات؛ نحن جميعا في الوطن والقيادة والناس والنظام.
قصة استعادة الهيبة بالتدريج، ومع احترامنا الشديد لما قاله دولة رئيس الوزراء بالخصوص، قد يعتبرها بعضهم بمثابة “مكافأة” او تساهل او تغاض عن تطبيق القانون. فالتشخيص الوطني لمجمل أزماتنا في الاردن، يقول بان المشكلة تبدأ دوما مع مثل هذا الدلال تحت ستار الحفاظ على التوازن الاجتماعي.
لا يجوز التساهل مع المجرمين والمنفلتين واللصوص والمعتدين على المال العام او الذين يمارسون السطو على حقوق الشعب بمثل هذه الحجج الواهية. فالغالبية الساحقة من الاردنيين يشتكون من رعب الانفلات ويطالبون باتخاذ اجراءات، وسيصفقون لتلك اللحظة التي نشاهد فيها السلطات تسهر على تطبيق القانون بقوة الحق في الاتجاهات كلها.
ليس صحيحا اطلاقا، ان فئات عريضة من المجتمع الاردني يستفيدون من تعبيرات الانفلات والاعتداء على هيبة الدولة والقانون، ما يبرر المنطق البائس القائل بالصبر والانتظار.
الصحيح ان المعتدين على هيبة القانون في الجامعات وعلى الطرق الدولية وعلى الشركات والمصانع هم فئة صغيرة ضالة ومضللة لا تمثل قاعدة شعبية وكل ما تفعله هو الإساءة للشعب برمته.