تتوالد كالفطر. وهي منتشرة في مناطق كثيرة من العالم العربي. لكثرة جماعاتها من الصعب على المراقب إحصاءها. مثّلت القاعدة لسنوات طويلة التنظيم الأبرز والأساس بينها. تزرع القتل والتدمير في بقاع كثيرة. تنطلق من احتكارها للدين الإسلامي. كل منها يدّعي أنه الأصح والأفعل والأفضل. مؤخراً بدا التعارض جليّاً بينها. إذا ما تقاتلت جماعتان. تعد كل منهما قتلاها: بالشهادة والآخرة الأبهى والحور العين.أعضاؤها لا يرون في العالم غير زعمائهم. باعتبارهم العارفين والخبيرين في أمور الدين والدنيا. والأخيرة كما يعبأون. لديهم تافهة لا تستحق أن تُعاش إلا من خلال الانتماء للتنظيم أو الجماعة. والاستشهاد في سبيلها ومبادئها التي هي الأصح من مبادئ الجماعات والتنظيمات الأخرى. شيء طبيعي. هذه جزء من ملامح الجماعات الأصولية التكفيرية التي تطلق كل منها على نفسها: الجهادية. ومهما اختلفت في أطروحاتها فإن بينها قواسم مشتركة توجد بينها. وتتلخص في ما يلي:
أولاً: أن كلا منها يعتقد أنه ممثل الدين الإسلامي الحنيف. ويجاهد من أجل سيادة الإسلام وأن الدين مفصّلٌ تماماً على مقاسات الجماعة أو التنظيم، يفسر الدين على هواه، وكأنه الأبرز في تفسير تفاصيل الحياة اليومية استناداً إلى الدين. وكممثلٍ على أصحاب هذا الاعتقاد: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام الملقب اختصاراً بــ”داعش” التي أصدرت الفتاوى المشهورة: المرأة عورة. ويتوجب أن تظل حبيسة البيوت. وعليها أن لا تجلس على الكرسي. ومحرّم عليها شراء الخيار والموز كون هذه الأشياء مذكر وليس مؤنث. يجوز للمرأة قيادة السيارة فقط في حالة واحدة: إذا كانت مفخخة بالمتفجرات. يجوز زواج النكاح. يجلد 70 جلدة كل من يتفوه بكلمة “داعش” وغيرها من الأحكام التي أعلنتها حين احتلالها مناطق في الشمال السوري. ما ذكرناه لا يقتصر على داعش فقط. فلكل جماعة منها فتاويها.
ثانياً: كل من هذه الجماعات تقوم بتكفير كل الآخرين. من الذين لا ينتمون إلى الجماعات الإسلامية (وبعضها يقوم بتكفير كل المنتمين إلى الجماعات الأخرى). زعماء كل جماعة يعتقدون أنهم ممثلو العناية الإلهية على الأرض، رغم أن الإسلام يدعو إلى التقيد بأحكام الله وفق ما وردت في القرآن الكريم وسنة رسوله، لكن هؤلاء ورغم التزامهم النظري بتعاليم ديننا الحنيف. لكنهم يبتكرون أحكاماً وفتاوى لم تصادف المسلمين على مدى ما ينوف عن الألف وأربعمائة وخمسة وثلاثين سنة من وجود هذا الدين الحنيف. كممثل على هؤلاء: جماعة التكفير والهجرة. الذين أحيوا نهج الخوارج من جديد. فكل المجتمع كافر ما دام يقبل بظلم الحاكم الكافر، بالإضافة إلى العديد من الأحكام الأخرى.
ثالثاً: ممارسة قتل الآخرين وذبحهم ممن يرفضون تعاليم هذه الجماعات و/أو يقومون بمواجهتها. وهناك طرق للذبح تقشعر لها الأبدان. رغم أن من يجري ذبحه هو مسلم وينطق بالشهادتين. لقد رأينا على الفضائيات وعلى الشبكة العنكبوتية طرقاً بشعة في ذبح المعارضين: كالقتل البطيء للإنسان. وأكل كبده ولوكه.الإسلام في شرع هؤلاء يجيز القتل لكل من تكفّره الجماعة. والمقتولون ليس بالضرورة أن يكونوا من حملة السلاح. فيجوز قتل المدني الذي لا يقوم بتنفيذ أوامر الجماعة. شاهد الناس قتل صبي صغير أمام أهله. لقد أوصى النبي الكريم ومن بعده الخلفاء الراشدون. مقاتلو الجيش الإسلامي. قبل توجهه إلى المعارك بعدم قتل شيخٍ أو امراة أو طفل أو حتى خلع شجرة من أرضها. وعدم التمثيل بالجثث. وأوصوا بالرفق وحسن المعاملة لكل من يعيش من أصحاب الديانات الأخرى تحت حكم المسلمين. هذه القضايا لا تتذكرها هذه الجماعات ويمارسون عكسها.
رابعاً: ما يجري في العديد من الأقطار العربية: سوريا. مصر. لبيبا. الجزائر. اليمن. لبنان مؤخراً. وغيرها. هو تدمير منهجي للبنية التحتية للدولة، فما ذنب المصانع ومحطات الكهرباء لتدميرها؟ وما ذنب المدنيين الآمنين. بتفجير السيارات المفخخة في أوساطهم؟ إن ما تفعله وما تقوم به هذه الجماعات من أعمال تدميرية. يتماهى مع المخططات التآمرية الإسرائيلية. لتدمير بنيوية الدولة العربية. وتخريب النسج الاجتماعية في كل دولة. بتقسيم المجتمعات إلى مذاهب وطوائف وإثنيات متقاتلة ومتحاربة فيما بينها. بحيث تحول التناقض التناحري من قتال الأعداء. إلى الاقتتال الداخلي في الدولة. وتقسيمها إلى دويلات مذهبية وإثنية وطائفية. تظل مشتعلة بالحروب فيما بينها إلى ما لا نهاية.
خامساً: هذه الجماعات تعطي الأولوية للجهاد في الدول العربية. ولا تقوم بقتال العدو الصهيوني القريب الحدود من العديد من الدول العربية. التي تشتعل فيها الصراعات. فإسرائيل موضوعة في عرف هذه الجماعات على الرّف،رغم استباحة القدس والأقصى الشريف: أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ورغم المذابح والموبقات التي تقوم بها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني وضد أمتنا العربية. وبرغم احتلال فلسطين ومصادرة أرضها. ورغم أن إسرائيل قامت بضم القدس الشرقية وهضبة الجولان العربية السورية، جحافل هذه الجماعات من الجنسيات المختلفة لا ترى الجهاد في فلسطين أولوية. بل تعتقد أن نيويورك وفولغاغراد الروسية أولى بـ(الجهاد) والقتال من العدو الصهيوني. عقود طويلة مضت على إنشاء بعض هذه الجماعات. لكننا لم نسمع يوماً عن طلقة واحدة جرى إطلاقها باتجاه إسرائيل. صحيح أنهم يريدون إقامة الدولة الإسلامية والخلافة أولاً. غير أن من الصحيح أيضاً أن إسرائيل وصلت إلى درجة من استباحة الأرض الفلسطينية والعربية والإسلامية. بحيث تقشعر الأبدان لمدى هذه الاستباحة. وكل هذا الاستهتار بالعرب والمسلمين.لا القاهرة ولا بغداد ولا دمشق ولا غيرها من العواصم العربية أولى بالقتال (والجهاد) من فلسطين. فأين هي أسلحتكم يا مقاتلي هذه الجماعات؟ وأين تعاليم القرآن الكريم وحضّه على قتال الأعداء ومن وراءهم؟!
سادساً: هذه الجماعات يجري تمويلها من دول عديدة. سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي. الأمر الذي يثير ألف سؤال وسؤال عن الأهداف التي أُنشأت من أجلها هذه الجماعات. والتي ومنذ بدئها لعملياتها (الجهادية) قلبت المجتمعات العربية في دولها رأساً على عقب. زادت نسبة الضحايا من المدنيين. أجبرت الكثيرين من الناس على ترك بيوتهم والهجرة واللجوء إلى الخارج. في كثير من الأحيان تستهدف هذه الجماعات أبناء الطوائف الدينية الأخرى. الذين عاشوا في وئام وسلام مع إخوانهم المسلمين في كافة أنحاء الوطن العربي. بشكل عام. وفي الدول التي تجري فيها الصراعات المذهبية والطائفية والإثنية.
هذه الجماعات وبتفسيرها لديننا الإسلامي الحنيف: تعمل على تكريه المسلمين بدينهم. فديننا ليس دين قتل وذبح وتمثيل بالجثث.إنه دين الإخاء والمحبة والسلام والعطف على الآخرين. وهو قبل كل شيء دين العدالة والمساواة. فالخليفة العادل عمر بن الخطاب قال جملة مشهورة في حادثة مفادها: أن الوالي في مصر صادر عن غير حق أرضاً لمسيحي من أجل تقويم بناء مسجد. كتب المسيحي إلى الخليفة يشكو إليه الوالي. فما كان من الخليفة إلا أن بعث برسالة إلى واليه من جملة واحدة: “يعوّج المسجد ولا يعوّج الحق” وأمره برد الأرض إلى المسيحي. هذا هو الدين الإسلامي وليس الدين الذي تنادي به هذه الجماعات من قتلٍ وتخريب وتهجير وتفجير.