بعد تسع سنوات من جريمة قتل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ورفاقه وسلسلة الجرائم التي ارتكبها المتهمون في لبنان بحق شهداء لبنان ها هي أخيراً المحكمة الدولية تعقد جلستها الأولى في لاهاي في غياب المتهمين المطلوبين من العدالة الدولية. فالمجتمع الدولي يدفع مبالغ باهظة من أجل ردع هذا الأسلوب الوحشي والجبان الذي يتبعه المجرمون إزاء من يزعجهم سياسياً إما باتصالاته أو بمكانته على الساحة الدولية مثلما كان الرئيس رفيق الحريري أم بأفكاره وكتاباته مثل سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميل وجورج حاوي. وصحيح أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نجح في تمكنه من دفع قسط لبنان للمحكمة ولكن لبنان عاجز عن توقيف المتهمين وتقديمهم إلى العدالة لأنهم تحت حماية حزب هو الحاكم بأمره في لبنان ولا يعترف بقضاء دولي أو لبناني. فهو الحكم وهو القضاء وهو الذي جر لبنان إلى المستنقع السوري بعد أن جر لبنان إلى حرب إسرائيلية في ٢٠٠٦ كانت كارثية عليه.
يوم الخميس عندما تبدأ المحاكمة التي ستأخذ وقتاً طويلاً في مجراها ككل عدالة دولية لن ننسى الذين استشهدوا في لبنان الذين لم تتمكن العدالة الدولية من تناول قضيتهم ولم تردع المجرمين عن اغتيالهم مثل الشهيدين وسام الحسن ومحمد شطح. من المفروض أن تكون المحكمة رادعاً وعقاباً. ولكن المجرمين لم يبالوا طالما هناك من يغطيهم في البلد. إن ما يجري في سورية حالياً على يد النظام من قتل وقصف الأبرياء وإدخال الإرهاب ما كان وصل إلى ما هو الآن لو كانت الدول الكبرى بعد مقتل الحريري ورفاقه عاقبت بشدة النظام الذي اتخذ القرار بقتله. إن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا مطمئنتين إلى أن نظام الأسد هو الأفضل لضمان سلام مناسب بين إسرائيل وسورية. فكانت تغض النظر عن كل الجرائم لولا الرئيس الفرنسي الكبير جاك شيراك الذي أكد حتى اللحظة الأخيرة من عهده على جميع الدول الراعية للمحكمة أن تنشئها وبذل جهوداً كبرى من أجلها مع خلفه نيكولا ساركوزي الذي رغم تبنيه المحكمة الدولية اعتقد أنه أذكى من سلفه ودعا الأسد إلى حفلة العيد الوطني الفرنسي وسايره لمدة سنتين. فهذه المحكمة اليوم على رغم أنها لم تردع جرائم أخرى لها أهمية كبرى لعدم فلتان المجرم من العقاب عاجلاً أو آجلاً، على رغم أنها لم تنجح في ردع المجرمين الذين طالما هم تحت مظلة دول مثل إيران وروسيا يعتقدون أنهم محميون من أي عقاب. فهذه قناعة خاطئة لأن المصالح تتغير في نهاية المطاف والأنظمة معها والمجرمون يحاسبون مهما كانت النتيجة ومحاسبة القذافي مثال على ذلك مهما كان أسلوبها مرفوضاً ديموقراطياً.
فعلى رغم أن الإرهاب والقتل والجرائم مستمرة اليوم في لبنان وسورية، إن مما لا شك فيه أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هي خطوة بالغة الأهمية ومشجعة لمحاكمة الإجرام السياسي. كثر الشهداء في لبنان وسورية. ومناورات «حزب الله» في الحكومات المتتالية حاولت تعطيل المحكمة وتأخيرها. والجرائم في سورية أبعدت الأنظار عن المحكمة الدولية بعض الشيء. ولكن لا بد من أن تصل يوماً إلى من أخذ القرار بقتل الرئيس الحريري ورفاقه والشهداء الذين سقطوا بعده والذين كادوا أن يسقطوا قبله. فهي الآن أصبحت على السكة وأيدتها روسيا بلسان سيرغي لافروف في لقائه مع الرئيس سعد الحريري مساء الأحد في باريس. وانعقادها حدث مهم من حيث الرمز والمعنى ولكن مطلوب أيضاً يقظة دولية على عدم غض النظر عمن هو معروف بارتكاب الجرائم. فكان من الأفضل لسورية ولبنان لو توافقت روسيا والولايات المتحدة منذ الجريمة الأولى على أن تكف يد النظام السوري ووكلائه على الأرض في لبنان عن ارتكاب جرائم وإسقاط شهداء وضحايا أبرياء ناضلوا لاستقلال وحرية بلدهم. لو كانت المساعي الدولية واكبت بالتوازي مع إنشاء المحكمة الضغط على النظام السوري لتغيير نهجه بالعقوبات لإسقاطه لكنا وفرنا الكثير من الجرائم والقتل، ولكن لعبة الدول شاءت أن تعتقد أن هذا النظام هو ضامن استقرار إسرائيل فمن الأفضل مسايرته وإبقاؤه. فكم جولة كان يقوم بها جون كيري نفسه كعضو في مجلس الشيوخ للتحاور مع الذي كان صديقه آنذاك بشار الأسد وكم زيارة رتبها ساركوزي للأسد إلى فرنسا ولمستشاريه إلى دمشق، ناهيك عن الدعم العربي الذي حصل عليه رغم كل ما ارتكبه. فالآن ومع تحرك قطار المحكمة الدولية أملنا الوحيد وحلمنا أن يقف القتل وتكف يد المجرمين في لبنان وسورية كي لا يفوت الأوان. فالمحكمة حدث مهم ولكنه غير كاف والمطلوب تغيير جذري في النظام السوري مع رحيل العائلة الحاكمة وبقاء مؤسسات الدولة. وبانتظار ذلك كم شهيد سيسقط؟