عروبة الإخباري – رائد العيسه – ولد الكاتب صالح أبو لبن في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين عام (1953) لعائلة مهجرة من قرية زكريا قضاء الخليل .وتم إعتقاله بعد أن قام بعملية نضالية عام (1970) ونسف بيته وحكم بالسجن لمدة 25 عاماً .ثم تحرر من الاعتقال عام (1985) في صفقة تبادل اسرى مع منظمة التحرير الفلسطينية .اعيد اعتقاله في الانتفاضة الأولى كمعتقل اداري لمدة عام في سجن النقب الصحراوي .درس في جامعات الوطن وحصل على شهادة الماجستير في الدراسات الاسرائيلية.
وقد شغل عدة مواقع حزبية في الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني وكان عضواً في الوفد الفلسطيني لمؤتمر مدريد.
تنقل في العديد من مواقع العمل في السلطة الفلسطينية وتقاعد على رتبة لواء .عمل مدرساً ورئيس قسم الدبلوم المهني في الاكاديمية الفلسطينية للعلوم الامنية (جامعة الاستقلال).
الرواية التي نجت من المذبحة
تحت هذا العنوان كتب السيد عيسى قراقع وزير شؤون الأسرى والمحررين في تقديم الرواية
بعد خمسة عشر عاما في سجون الإحتلال ،وفي تاريخ الاحتلال الجديد المتجدد ،ووسط هدير المجنزرات وأصوات الطائرات وسقوط الشهداء وشلالات الدماء خلال الاجتياحات الإسرائيلية للضفة الغربية عام 2002 ،يقف صالح أبو لبن مصلوباً مرة أخرى على الخشبة، معتقلاً يرى العذراء في كنيسة المهد في بيت لحم تقصف بالقنابل ، الدماء تشع على البلاط المقدس، والبرد والجوع والموت والسماء المعدنية تخرج ذاكرة الكاتب من الأرشيف، تجلس تحت شجرة الميلاد، وتبدأ بتجميع الصور كما تجمع الأشلاء المتناثرة في الحارات.
ويكمل السيد عيسى قراقع وزير شؤون الأسرى والمحررين فيقول:
صالح أبو لبن كيف إستطعت أن تكسرجرحنا المالح وتصرخ بهذا الصوت الأعلى وترشدنا في فصول روايتك إلى باب الخروج من السجن والحصار، وتتجاوز بنا الغموض السياسي بين الواقع والخيال، بين الشعار وبين الكابوس، دون أن تغرق في هيمنة زمن الإحتلال لترى غدك بعد قليل.
البيت الثالث…وثيقة دم تؤرخ الحرب والسلام، وتبقيك في وسط الميدان والغبار، تنتظر منتفضاً تحت الرصاص، ومتأملا في سلام ثقيل يجر وراء المستوطنات وروحا عسكرية عنصرية،فتبقى النهايات مفتوحة على موعد ناقص في الحكاية .
د. عبد الرحمن عباد : الرواية شهادة على عصر عاش فيه كاتبه
لا أعرف ماذا اسمي هذا السفر الذي فرغت من قراءته للتو! هل هو سيرة ذاتية لفرد من أبناء فلسطين؟ أم هو رواية لوطن؟ وهل هو عمل ادبي سردي جاء على شكل رواية لها بطل واحد حقيقي. أم هو عمل تسجيلي بكل ما تعني هذه الكلمة. لعل من الإنصاف أن نقول أنه شهادة على عصر عاش فيه كاتبه، فكتب بأمانة ما ظنه صواباً دون أن يخفي شيئاً. وفي المجمل فأن هذا العمل الكتابي يستحق التأمل فيه لأنه يعيد ذاكرتنا ألى العديد من القضايا ألتي ينبغي أن نناقشها، وأن نعيد قراءتها من جديد، فمن لا يحسن قراءة واقعه لا يمكنه ان يستشرق مستقبله.
يوسف عدوي: بطل هذه الرواية مناضل كبير
ومما قاله الأستاذ يوسف عدوي “البيت الثالث” عمل قام على الدمج الموفق في المنهج والإسلوب بين التاريخ والسيرة الذاتية المرتبطة بحركة شعب بكامله بتجاربه ومآسيه، فبطل هذه الرواية مناضل كبير، ضرب أروع صور التضحية والفداء، من أجل وطنه وشعبه، ويمتلك أحاسيس وطنية وانسانية جعلته مسؤولاً في حمل قضية شعبه وتوصيلها للعالم. مادتها أحداث حقيقية من واقع الاسر والاجتياحات، ومعاناة شعبه من احتلال بغيض. ويعتبر هذا العمل المتميز جهدا كبيراً يضاف الى جهود من سجلوا صورا لواقائع المأساة الفلسطينية الطويلة.
نافذ الرفاعي :الرواية عبرت عن القضية الفلسطينية خلال المقاومة والاسر والحرية المنتظرة
كما تحدث السيد نافذ الرفاعي رئيس مجموعة الباب الأدبية في حفل توقيع الرواية : إن الراوية تعبر عن القضية الفلسطينية سواء من خلال المقاومة أوالأسر أوالحرية المنتظرة، وأكد على قدرة الكاتب على وصف تلك المرحلة في جميع تجلياتها من ألم وفرح ودموع ومحبة وتوق إلى الحرية.
صلاح عبد ربه:ابو لبن الى جانب غسان كنفاني وإميل حبيبي
وقال السيد صلاح عبد ربه ان أبو لبن استطاع ان يقف إلى جانب الروائيين و الأدباء الفلسطينيين المرموقين من خلال هذه الرواية، أمثال غسان كنفاني وإميل حبيبي
كمال هماش: الرواية ملحمة تاريخية سردية تتطرق لمعاناة الشعب
كما كتب في ذات السياق الأستاذ كمال هماش :جهد عظيم وثمار مفيدة وتجربة خصبة، ملحمة تاريخية سردية تتطرق لمعاناة الشعب منذ ما قبل عام (1948) وصولا للحاضر.أسلوب رائع في توازي المشاهد واستقدام الذاكرة. تفاصيل المكان متوفرة بشكل يضع القارىء في مكان الشريك في صنع الحدث.تقلص الرواية التفاصيل الإجتماعية لصالح السياسي والنضالي في الوقت الذي لم تتوقف فيه حياة الناس العادية كما اشار الكاتب .
عزيز العصا: وثيقةٌ تؤرخ للصراع على هذه الأرض
أما الناقد عزيز العصا فقد تطرق ألى عدة محاور في الرواية وكتب تحت عنوان “وثيقةٌ تؤرخ للصراع على هذه الأرض “
البيت الثالث؛ رواية لكاتبها “صالح أبو لبن”.. تتألف الرواية من أربعةٍ وثلاثين عنوانا، تتوزع على (290) صفحة من القطع المتوسط، تربض بين غلافين يحملان رمزية الصراع على هذا الأرض. فالغلاف الأول؛ يحمل بناءً بسيطاً يعبر عن حلم الالتصاق بالأرض-الوطن وبالأرض-الهوية وقاطنوه يسهرون لحمايته والدفاع عنه، وأما الغلاف الأخير؛ فقد جعل منه الكاتب محطة تذكرنا بأن الاحتلال بعيد إنتاج ذاته بشباك يحرسها جنوده؛ حرصاً على استمرارها، وزيادة حدتها، وإطالة مخالبها حتى تطال مستقبل الأجيال القادمة.. لكن الكاتب “ما انفك جاهداً، وبطول نفس، ينفخ في الجمر لعله يتقد، ويسعى بثبات وإصرار لاستعادة زمام المبادرة المضيع، واقفا عند حدود بيته الثالث وظهره إلى الحائط”.
وتمكنت من رصد المحاور التالية التي أضاء بها صالح أبو لبن ظلمة الزمان والمكان:
الإرادة، الإبداع، والشجاعة؛ فالأطفال، وهم في دور التفتق ما بين السادسة عشر والعشرين يشكلون خلايا مسلحة لقتال الاحتلال، وصابر (الذي لم يبلغ السابعة عشرة من عمره) النحيل-رقيق العظام لا يخاف من شئ، ويلقي القنبلة على الدورية العسكرية وفي داخله عظمة عبد الناصر، وفي وجدانه يجلس جيفارا، ثم يقفز عن السطح وكأنه يطير عن عقود من الهزيمة والاستكانة. ويكبر صابر وهو دائم الحسابات في تجربة جديدة مع الاحتلال الذي يكشف، جهاراً، عن عدوانية فظَّة. كما أن “جمال” المصاب بشلل الأطفال هو الأب الروحي لمجموعة فدائية.
الآباء والأمهات مصدر الهام:
• فلم يسجل “أطفال الشيخ” ملاحظة تشير إلى ضعف والدهم قد تنعكس عليهم فترعبهم وتثير الهلع في نفوسهم. وعندما كبر صابر، وأصبح أسيراً، بقي يواسي نفسه بالموقف الشجاع لأبيه في مواجهة الحاكم العسكري عندما نسفوا بيته، وأضحى ذلك الموقف هو ذكرى والد بما فيها من مهابة وإيمان.
• الأب؛ نموذج في التضحية والعطاء، فرغم ضيق اليد أصر على تعليم أبنائه وبناته.. إلا أنه في العام (1960) نُكِبَ، ونُكِبَتْ مع أسرته، وامتلأت القلوب بالحسرة، عندما سرق أحد الأغنياء منحة أحد أبنائه لتعلم الطب في الجامعة الأمريكية ببيروت. الأب-الشيخ لم يتعصب لفكره؛ فانطلق مؤيداً لأبنائه اليساريين المنادين بالتحرر من ربق الاحتلال، حتى أُطلق عليه “الشيخ الأحمر”.
• الأم؛ نموذج في العطف، والحنان، والصبر، والتفاني في تلبية ما يطلب منها، وحسن التدبير والإدارة وهي المربية والمعلمة؛ فهي التي يغفو أطفالها وهي تقص عليهم القصص التربوية-الهادفة. ورغم “عسر الحال”؛ تستجيب لطلبات إبنها “صابر” عندما يأتيها من الخلف ويطوق عنقها بذراعيه مع قليل من الرجاء والحنان؛ فتُخرِج كيس النقود المعلق في صدرها وتعطيه منه ما يريد”.
• الأم؛ هي السند في الأزمات وهي المعين في الأسر. فها هي تبلغه بلغة الدموع: “يمه.. اليهود نسفوا دارنا، ودور أصحابك”، وعندما تشتد عليه وطأة الخبر، ويطالب بإعدامه هو بدلاً من نسف البيت؛ تنهض فتواسيه وتشجعه وتتمنى له العمر المديد والصحة والعافية التي تمكنه أن يبني بيتاً آخر.
• سياسة الاحتلال وقوانينه الجائرة في هدم البيوت؛ كانت حاضرة في رواية صالح أبو لبن.. فبعد أن هدم الاحتلال بيته (الأول) في العام (1948)، عاصر هدم بيته (الثاني) عندما كان هو معتقلاً في سجن رام الله، ثم زحف هدير الاحتلال؛ مهدداً بهدم بيته الثالث بأُسَرِه الثلاث التي تقطنه، الذي يضم في حديقته رفات والده، والذي يعتبره وقف له القدسية، ويقول فيه: إنا باقون فيه وسنموت من دونه.
• من أبشع صور الحصار أنه أطبق على المخيم، من كل الجهات، اضطر صابر وأخوته إلى مواراة جثمان والدهم في حديقة “البيت الثالث” الذي بنوه بعرق السنين. بذلك؛ فإن الاحتلال يسرق من أبناء الشعب الفلسطيني كل شئ؛ الأرض، والعز، والحياة، ويسرق منهم حتى فرصة أن يحظى الواحد منهم بحقه في الموت بطريقة لائقة.
فلسفة الثوار، واستراتيجات تفكيرهم تتطور مع الزمن:
• جعلت الأحداث من الأطفال فلاسفة ومقاومين فقد وجد الواحد منهم نفسه أمام الجنود المدججين بالسلاح “ليس إنساناً”، فأخذت أفكار المقاومة تتشكل في أذهانهم.
• اعتلى كل منهم كتف الآخر؛ فكونوا سلماً تمكنوا من خلاله من تثبيت العلم الفلسطيني على سارية مخفر الدهيشة.
• رغم طفولتهم المبكرة؛ إلا أنهم طوروا استراتيجيات تفكيرهم، والبحث عن الطرق المنظمة في مواجهة الاحتلال، حتى أصبحوا أعضاء في خلية عسكرية لا يعرفون إسمها. ثم استخدموا البيئة أفضل استخدام؛ فجربوا تنفيذ أول عملية عسكرية لهم باستخدام الحجارة.
مثلث مواجهة الاحتلال: لقد كان لممارسات الاحتلال، وعنجهية جنوده، ووعي الفلسطينيين لطبيعة الصراع، وللاعتقالات المتتالية والأحداث المتتابعة، بعد العام 1967، بالغ الأثر في الالتفاف الجماهيري حول الفدائيين والعمل الفدائي، مثل: معركة الكرامة، وحرق المسجد الأقصى، وحرب الاستنزاف. فتشكل مثلث متماسك الأضلاع، أضلاعه: حرب الاستنزاف، فدائيي الخارج القادمين من خلف الخطوط والعمل الفدائي داخل الأرض المحتلة.
المرأة حاضرة في كل المراحل:
• فلم يمر حدث، ولم يُذكر نشاط وطني، ولم تذكر مجموعة عسكرية، ولم يتم اعتقال الا وكانت المرأة حاضرة فيه بقوة.. فمريم توزع المناشير، وتخيط الأعلام وتشارك في تعليقها، وعائشة عطا وعائشة عبيد تعتقلان إلى جانب الرجال.
ذاكرة تأبى النسيان
• والد صابر يصطحب ولديه ويتوجه بهما إلى بلدتهم زكريا؛ ويمشي من هنا ومن هنا حتى يصل منطقة مسوّاة بالأرض، فقال: “هان يابا محل دارنا”.
• ولعل من أسوأ مراحل تلك التجربة المريرة؛ ما أشيع في حينه بأن الخروج من البلاد مؤقت وأن الجيوش العربية ستعيد الأهالي إلى قراهم.
التعقيب والخاتمة
لقد وجدت في رواية “البيت الثالث” سيرة حياة، على مدى ستة عقود من الزمن، لصالح، ورفاق دربه النضالي، وأسرته، ومجتمعه، ومخيمه، وشعبه.. إنها رواية مشبعة بالأحداث، والصور، والمشاهد التي توثق لما تعرض له الشعب الفلسطيني من تعذيب، إنها توثيق لجزئية زمانية-مكانية من الكل الفلسطيني الذي خُطِّطَ له أن يعاني من الفقر المدقع، والجهل القاتل؛ نتيجة الإفقار والتجهيل الذي فرضته عليه الاحتلالات السابقة، آخرها الإنجليز؛ لينتهي به الأمر لقمة على مائدة الحركة الصهيونية التي كانت قد أعدت العدة للانقضاض على الأرض والشعب لإخراجه من دياره، بغير حق، واجتثاثه من جذوره لينتهي الأمر بفلسطين “أرض بلا شعب؛ لتحتضن شعبٌ بلا أرض!”.
فوصف وتعمق في الوصف ليترك لنا بين جَنَباتِ هذه الرواية مجموعة من المفاهيم، والقيم، والمثل العليا التي تشكل وقوداً لقطار الأجيال القادمة المنطلق، قُدُماً، نحو التحرر واستعادة الحقوق المغتصبة.
ايسر الصيفي: رواية لاجىء عاش الخيمة وهويته كرت الوكالة
وكتب ايسر الصيفي عن الرواية :رواية البيت الثالث – هي رواية للكاتب صالح أبو لبن “ابو محمد”، لاجئ ولد في مخيم الدهيشة، عاش الخيمة ورطوبة ما بعد الخيمة… هويته كرت الوكالة وكيس من الطحين، وربع قرن من الذكريات حفرت على جدران غرفته أرقاما .. خطوطاً .. وألوان. قصص وذكريات ما بين دهاليز السجون ورمادية المخيم. حياة وتجارب وأسئلة حملها ابو محمد يبحث عن إجابات ومستقبل وبيت ثالث.
رواية البيت الثالث- هي وثيقة لحياة كاملة جست بكلماتها سيرة جمعية لحياة شعب لازال يبحث عن ذاته وهويته. لازال محاصراً بين خيمة اللجوء وغرفتين صغيرتين من الطوب الدقيق السمك كما وصفها في صفحة (12).
رواية موجعة عن المخيم والاجتياح. كيف عاش المخيم الم اللجوء وجروح ما بعد اللجوء.وكيف يولد الامل والتحدي عند حافة اليأس ويكبر حتى يصل حدود الممنوع كما لمست في لوحة (انه الممنوع).
رواية تعرض معالم الواقع وتاريخ الواقع .. ليأخذنا حيث فلسطين ليست قضية محلية وإنما عالمية، حين وصفها في نص أخر “حرب من يمتلك مع من لا يمتلك .. وهذه هي المعادلة التي تعود لها القضية”. وفي نص أخر صفحة 188 “أتمنى لو أن قضيتنا محلية صرفه .. فهي إقليمية بامتياز”.
أهنئ المخيم أولاً على هذه الرواية … وأهنئ ابو محمد على هذه الرواية واسمح لي أن أقول :
نحن وحدنا القادرين على صنع شيء من اللاشيء .. وحدنا ندرك أن الطريقة لازالت طويلة وأنفاسنا أيضا، تكفينا كي نعبر دوامات الزمن بكل الاتجاهات ،كي نعيد كتابة التاريخ بصدق أو نكتب تاريخاً جديداً يعطي الحق للفقير بالتمرد على فقره، وللميت بوضع ما أمكنه من أحرف وصيته الأخيرة.
أشكرك مرة أخرى على هذه الملحمة الأدبية .. وأتمنى من الجميع قراءتها …. وأتمنى لك التوفيق