د.خليل العناني/نقاشات على هامش الدستور المصري الجديد

من المفترض أن يتم الاستفتاء على الدستور المصري الجديد يومي الرابع عشر والخامس عشر من يناير. وحتى الآن فإن ثمة انقساما عميقا بين المؤيدين والمعارضين لهذه الوثيقة الدستورية التي يراها البعض لا تختلف كثيرا عن دستور 2012 التي وضعها الإسلاميون إبان وجود الرئيس المعزول محمد مرسي فى السلطة.
وبشكل موضوعي فإن الدستور الجديد أعطى قدرا معقولا من الحقوق لبعض الفئات والجماعات التي كانت مهمشة في السابق مثل الأقباط والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة. بيد أنه أيضا أعطي وضعا مميزا للكثير من مؤسسات الدولة وجعلها شبه مستقلة من أي محاسبة أو مسؤولية كما هي الحال مع المؤسسة العسكرية ومؤسسة القضاء والشرطة. كذلك هناك بعض المواد التي تقبل التأويل والتفسير بأشكال متعددة وهو ما سوف يؤدي إلى مشاكل كثيرة فى المستقبل.
مشكلة الدستور الجديد لا تنبع من مواده أو محتواه وإنما بالأساس من السياق السياسي الذي جرى فيه كتابته. فالانقسام الذي يضرب مصر منذ الثالث من يوليو وحتى الآن كان ولا يزال يمثل العقبة الرئيسية أمام التحرك للأمام. وناهيك عن كون “لجنة الخمسين” التي قامت بكتابة الدستور الجديد هي لجنة معينة من قبل رئيس الجمهورية المؤقت، فإن طريقة كتابة الدستور لم تتسم بالشفافية والمصداقية المطلوبة. وقد تداول نشطاء سياسيون فيديو على شبكات الفيس بوك قبل أيام للدكتور محمد أبو الغار عضو لجنة الخمسين يتحدث فيه عن تغيير عبارة “حكمها مدني” إلى “حكومتها مدنية” التي وردت فى ديباجة الدستور المصري وتشير إلى طبيعة الدولة المصرية. وقد قال أبو الغار إن هذا التغيير تم بشكل غير مشروع ولم تتم استشارة رأي اللجنة فيه. فالنص الأصلي هو أن دولة مصر “حكمها مدني” ولكن تم تغييره كي يصبح “حكومتها مدنية” وهو ما أثار لغط كثير حول كيفية حدوث ذلك ومشروعيته.
تسعى الحكومة الحالية لجذب أكبر عدد من المصوتين والمؤيدين للدستور الجديد تحت شعارات الاستقرار والتنمية ولكنها لا تقدم الكثير من أجل إقناع المواطنين بذلك. فلا تزال الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية على حالها منذ رحيل مرسي وحتى الآن. وبالرغم من رفض كثيرين لعودة مرسي للسلطة مجددا إلا أن سخطهم على الأوضاع الحالية لا يصب في مصلحة الدستور ومن يحاولون تمريره.
لقد قام المصريون بثورة 25 يناير من أجل تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهو ما كان يجب أن تتم ترجمته في دستور ما بعد الثورة ولكن يبدو أن ذلك لا يزال هدفا بعيد المنال.

د. خليل العناني
كاتب وأكاديمي مصري
kalanani@gmail.com

Related posts

الكنيست الإسرائيلي يصدر سلسلة من القرارات العنصرية الجائره بحق الفلسطينيين* عمران الخطيب

السمهوري: ما حدث في إمستردام من هتافات وتحريض على القتل… جريمة تحريض ودعم لحرب الإبادة التي تشنها اسرائيل

عيوب ومثالب في (دراسات حول المناهج المُطوّرة)* الدكتور هايل الداوود