خالد الدخيل/عُمان بين السعودية وإيران

نجحت قمة الكويت في تفادي صدام سعودي – عماني حول فكرة الاتحاد، وخرجت ببيان ختامي توافقي. وهي عادة خليجية يتم اللجوء إليها عندما يستعصي الاتفاق. لكن المشكلة ليست في الموقف من مشروع الاتحاد، وإنما في طريقة التعبير عنه، وتوقيت هذا التعبير.
فموقف عمان الرافض الاتحاد معروف. الجديد في الموضوع هو تهديد وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي – في سابقة – بانسحاب عمان في حال تم إقرار المشروع، والجديد أن هذا التهديد جاء وسط الجدل الذي فجره الاتفاق المبدئي بين أميركا وإيران، وانكشاف أن عمان استضافت المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران التي وضعت أسس هذا الاتفاق، وأن عمان لم تطلع أياً من أعضاء مجلس التعاون على أي شيء عن هذه المفاوضات.
هل هناك من علاقة بين استضافة عمان هذه المفاوضات السرية من ناحية، وبين التهديد العماني بالانسحاب من مجلس التعاون من ناحية أخرى؟ يوحي التهديد العماني بأن غالبية دول الخليج، ما عدا عمان، اتفقت أو تقترب من الاتفاق على خيار الاتحاد، وهذا ليس دقيقاً. لكن، لماذا ترفض عمان اتحاد دول الخليج بهذا التصميم وهذه الحدة غير المسبوقة؟ من الواضح أن المصدر الرئيس – إن لم يكن الوحيد – في عدم الاستقرار الذي تعاني منه منطقة الخليج العربي هو الاختلال الحاد في توازنات القوة بين دوله، وأن دول مجلس التعاون – خصوصاً السعودية – هي الطرف الأضعف في هذه التوازنات ولأكثر من أربعة عقود الآن، ومن الواضح أيضاً أنه لا يمكن ترميم هذا الاختلال الحاد إلا بزيادة القدرات العسكرية لدول المجلس، وتحديداً السعودية، ومن دون توحيد السياسات الخارجية والأمنية لهذه الدول. ومثل هذا التوحيد يفرض شكلاً من أشكال الاتحاد بين دول مجلس التعاون. كل ذلك كان ولا يزال يتطلب خطوات إصلاحية سياسية متعددة داخل كل دولة. مرة أخرى: لماذا ترفض عمان فكرة الاتحاد؟ في إجابة عن هذا السؤال، يقول يوسف بن علوي في تصريح لافت: «أنا ضده لأن الله خلقني ضده …»، مضيفاً: «إذا كانت هناك أية ترتيبات أخرى أو جديدة لدول الخليج نتيجة الصراعات الموجودة أو المستقبلية فنحن لسنا طرفاً فيها، ولن نكون طرفاً فيها». ثم شدّد على ذلك بقوله: «ينبغي علينا أن ننأى عن الصراعات الإقليمية والدولية». وبالنسبة لعمان تحديداً قال: «نحن غير مستعدين للدخول في أية صراعات… ولا علاقة لنا بالمواجهات… ولسنا ذاهبين في الصراعات على الإطلاق، لا شرقاً، ولا غرباً». السؤال: من الذي يفرض الصراعات على المنطقة؟ ومن الذي يعمل على تفجير سباق عسكرة وتسلح فيها؟ هل دول مجلس التعاون هي التي تفعل ذلك، أم أن إيران هي التي تفعل ذلك؟
يدرك معالي الوزير – كما ذكرت – أن سبب الصراعات التي يشير إليها هو اختلال توازنات القوة في المنطقة، وأن دول مجلس التعاون هي الطرف الأضعف في معادلة القوة التي تتحكم في هذه الصراعات، كما يدرك بأن إيران هي التي توظف هذا الاختلال لتوسيع نفوذها، من خلال: أولاً، زيادة قدراتها العسكرية وتطويرها. وثانياً، من خلال برنامجها النووي الذي وضعها في مواجهة مع المجتمع الدولي. وثالثاً، من خلال استخدام الورقة الطائفية كرافعة لدورها الإقليمي. إيران هي التي تشجع على انتشار الميليشيات في العراق، وهي التي ترسل مقاتلين إلى سورية. كل ذلك يفرض على معالي الوزير أن يوجه ملاحظاته إلى إيران قبل أن يوجهها إلى زملائه في مجلس التعاون.
هل فعل ذلك؟ لا أعرف حقيقة، وربما ينبغي الترجيح بأنه فعل، انطلاقاً من إدراكه الحاد لخطر التسلح والصراعات الإقليمية. هنا أستميح القارئ في أن أضع أمامه جزءاً من حديث سابق للوزير بن علوي مع صحيفة «الحياة» بتاريخ 4-10-2012:
«س: ما المصلحة العُمانية في عدم الاعتراض على السياسة الإيرانية داخل سورية؟
ج: إننا نحترم كل دولة في العالم، لأن لديها مصالح تتصرف فيها كما تشاء، وبالتالي إن كان ذلك خطأ هي تتحمله، وإن كان إيجابياً هي تتحمله، هذه هي السياسة العامة للسلطنة.
س: هل الدور الإيراني، باعتراف الإيرانيين، بوجود الحرس الثوري في سورية خطأ؟
ج: أقول لك لكل دولة الحق، وهي مسؤولة عن تصرفاتها. أنا لا أعلق على تصرفاتك أنت، ولا أريد أحداً أن يعلق على تصرفاتي، كل واحد مسؤول عن تصرفاته، في النهاية لكل تصرف نتيجة وكل دولة تتحمل نتيجة تصرفها، هذه هي سياستنا العامة، لا نغير فيها أبداً بالنسبة إلى إيران أو أميركا أو أستراليا.
س: هل توافق عُمان على تدخّل إيران العسكري؟
ج: ليس لنا حق في أن نوافق على سياسة فلان أو لا نوافق.
س: لكن هذه دولة عربية، هناك كارثة إنسانية فيها…
ج: أنتِ تعتقدين شيئاً وأنت حرة في اعتقادك، لكن لا أحد يحاول أن يجعل العالم كله على اعتقاد واحد. الله لم يخلق الناس على هذه الشاكلة، الناس لم يخلقوا على هذه الطبيعة، كل واحد خلقه الله على طبيعة مستقلة عن الآخر. لذلك، العالم اليوم يقر شيئاً اسمه حرية التعبير، لماذا عملوا حرية التعبير؟
س: حرية التعبير شيء وسياسات الدول شيء آخر.
ج: لا… الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين. بالتالي أنت لك رأي وفلان من الناس له رأي، وفلان ثالث له رأي، أنت في دولة والثاني في دولة والرابع في دولة، وكل واحد له رأيه، المقصود في النهاية أن كل هذه الآراء مختلفة وهو شيء طبيعي.
س: في الموضوع السوري؟
ج: الموضوع السوري واضح ولا يحتاج إلى أي تعليق ولا يحتاج إلى رأي. حرب دائرة بين الدولة وبين السوريين المعارضين، لا يحتاج إلى تفسير ولا يحتاج إلى رأي أحد، سواء كان خطأ أم صواباً، كلهم خطأ وكلهم صح».
يرفض الوزير توجيه أي نقد إلى إيران. في المقابل وجّه في البحرين نقداً حاداً إلى السعودية من دون أن يسميها. حديث الوزير يعكس الخطاب السياسي للسلطنة، هو خطاب يقول كل شيء، ولا شيء في الوقت نفسه، وهذه من سمات الدول التي لا ترسم سياساتها، خصوصاً الخارجية منها، في إطار مؤسسي، ولا تعترف بمبدأ تعددية الرأي وفقاً لتعددية الخيارات المتاحة. والحقيقة أن هذا خطاب لا يقع خارج السياق تماماً، بل يمثل نموذجاً متطرفاً لخطاب مشترك بين دول الخليج، وإن بصيغ مختلفة. وفقاً لكلام الوزير بالنسبة إلى عمان ليس هناك فرق بين إيران ودول مجلس التعاون، وأن عضوية عمان في هذا المجلس ليست مبرراً كافياً بأن يكون هناك مثل هذا الفرق. وتالياً حديث الوزير لا يأخذ في الغالب طابع الحديث السياسي بمقدار ما أنه يجنح لتعميمات لا علاقة لها بالموضوع لتبرير السياسة العمانية، ولا بمعطيات ومبررات سياسية. طبعاً، هذا لا يعني أنه ليست هناك معطيات ولا مبررات، لكنه يعني أن معالي الوزير لا يريد الكشف عنها. ثالثاً أن معالي الوزير في حديثه يميل إلى مجاملة إيران، وتفادي الاصطدام معها. في المقابل، لم يكتفِ برفض فكرة الاتحاد رداً على الوزير السعودي، بل هدد بانسحاب عمان من مجلس التعاون، وعبّر عن ذلك بلغة متوترة وحادة، على غير العادة العمانية، والخليجية عموماً.
ما علاقة كل ذلك باستضافة عمان المفاوضات السرية بين أميركا وإيران، وموقفها من فكرة الاتحاد؟ تؤكد الاستضافة ما بات معروفاً، وهو أن الدور الإقليمي لعمان في منطقة الخليج العربي مرتبط بعلاقة ما مع إيران مقدار ارتباطه بعضويتها في مجلس التعاون. هنا تنبغي ملاحظة أن موقف الوزير العماني الرافض فكرة الاتحاد يتقاطع تماماً مع الرفض الإيراني للفكرة نفسها، وإن لأسباب مختلفة. تخشى عمان أن يتصادم تأييدها فكرةَ الاتحاد مع الموقف الإيراني، وأن يتسبب ذلك في توتر علاقتها مع طهران، وبالتالي بخسائر تضعف دورها الإقليمي. تريد عمان أن تلعب دور رمانة الميزان بين السعودية وإيران، وهي تستطيع أن تفعل ذلك، لكن لهذا متطلبات، منها ألا تذهب بعيداً في مجاملة إيران على حساب السعودية، ومنها مواجهة حقيقة أن اختلال توازن القوة لمصلحة إيران – خصوصاً بعد سقوط العراق – هو السبب الرئيس لعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، ومن ثم لن يستقيم الدور العماني إلا بواحد من خيارين: إما أن تقنع إيران بالتخلي عن وتيرة التسلح المستمرة وعن السلاح النووي وعن لعب الورقة الطائفية، وإما أن تأخذ بمبدأ إعادة التوازن بين دول المنطقة، منطلقاً للتعاون بين دولها، وتثبيت الاستقرار السياسي فيها.
تبنّي عمان خيارَ الصمت تجاه السياسة الإيرانية، ورفع الصوت ضد فكرة الاتحاد الخليجي، وأنه يمثل جنوحاً نحو العسكرة، والانتظام في الصراعات الإقليمية، فضلاً عن أنه لا يخدم الدور العماني، يجنح بدوره نحو الاصطفاف وتأجيج الصراعات.
ما الذي يدفع عمان إلى مثل هذا الدور المتناقض؟ الذي يدفعها الضعف السياسي والعسكري لدول مجلس التعاون، بما فيها عمان، والتناقض الحاد بين الحجم السياسي والاقتصادي، والموقع الاستراتيجي لهذه الدول، وبين قدراتها العسكرية من ناحية، ومقاومتها فكرةَ مأسسة الدولة في كل منها، وتفعيل القاعدة الشعبية لسياساتها، خصوصاً الخارجية لكل منها من ناحية أخرى.
من دون حل لمشكلة التوازنات الإقليمية هذه ستبقى الساحة مفتوحة لمثل هذا الدور العماني.

* كاتب وأكاديمي سعودي

Related posts

السمهوري: ماذا بعد إبلاغ إسرائيل الامم المتحدة قطع العلاقات مع الاونروا؟

فيهم صُفرة تعلوها قَتَرَة* بشار جرار

أيا كان اسم الرئيس* ماهر أبو طير