اليوم تنعقد قمة مجلس التعاون الخليجي الرابعة والثلاثون، ويلتقي القادة الذين سيحضرون وعلى وجوه بعضهم مسحة من القلق والكآبة لما آلت إليه أحوالهم وما أصاب أوطانهم من قلاقل وحراك بعضة تحت الرماد تعلو أصواته على وسائل الاتصال الاجتماعي والبعض الآخر يسير في الشوارع وتواجهه قوى الأمن بكل وسائل القوة.
يجتمع المجلس في ظروف غير طبيعية إذ تسود المنطقة حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار تستطيع قراءته في كلمات وخطابات وما دار في الكواليس في “منتدى المنامة للحوار الأمني” الذي حضره ما يزيد على خمسين وزير خارجية ودفاع ورؤساء هيئات الأركان العسكرية ومن رجال مخابرات رفيعي المستوى من دول متعددة ورجال مخابرات صغار مبثوثين في كل زاوية من زوايا فنادق البحرين يسترقون السمع ليبلغوا قياداتهم في المنتدى بما يقال هناك. وزير الدفاع الأمريكي السيد هيجل يقول إن بلاده ستحتفظ بقوات عسكرية برية وبحرية وجوية وقوة صاروخية في دول مجلس التعاون، وأقترح على دول المجلس شراء أنظمة دفاعية صاروخية وأسلحة أمريكية أخرى.
(2)
تشير المعلومات إلى أن قيادات خليجية رفيعة المستوى ستغيب عن هذه القمة ولكل منهم أسبابه، لكني أقول إن منطقة الخليج العربي تواجه ظروفا أخطر من ظروف عام 1991، فحلفاء الأمس شاحوا بوجوههم عن دول مجلس التعاون وولوها نحو مشرق الشمس بدءا من بندر عباس ووصولا إلى جزر اليابان المتنازع عليها بين الصين واليابان، إيران تم الاعتراف لها من قبل الكبار بعضوية منتسب إلى النادي النووي، والبترول والغاز الخليجي وجد له منافسون من أوروبا الشرقية وإفريقيا إلى البحر الأبيض المتوسط إلى البترول الصخري في ولاية اوهايو الأمريكية، ومخزون إيران البترولي منافس قوي بعد الانفتاح الأوروبي عليها لأن نفوذها يمتد إلى بترول العراق ومخزونه الاستراتيجي بحقوله الغنية. إيران تم الاعتراف لها بأنها الطرف القوي في رسم مستقبل الوطن العربي في غرب آسيا وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط وكذلك البحر الاحمر. كل هذا يجري في محيطنا وأنتم في خلافاتكم منشغلين.
مصر العزيزة منشغلة بحالها ولن تستطيع أن تنظر إلى جوارها في المدى المنظور لأن جراحها عميقة وقيادات عسكرية انقلابية تعمل بكل جهد من أجل ترسيخ أقدامها على صعيد مستقبل مصر، وقضاة مصر منشغلون بمن يكون المنتصر ليكونوا معه حفاظا على امتيازاتهم، وشعب يصرخ يريد العدالة والحرية والكرامة ولقمة العيش، ومهما دفع من أموال للحكومة المؤقتة والقيادة الانقلابية لن يجدي نفعا.
والعراق قد بعناه بأبخس الأثمان وفازت به إيران، وهذه سورية تتفتت أمام أعيننا مختلفين على من يساعد من، فلا نظام يستطيع الانتصار على شعب ثار ولن يعود عن ثورته وإرادة الشعب أقوى من كل تحد ولكن الأيام قصيرة والدماء تسيل بغزارة.
اليمن يا قادة مجلس التعاون تعيش في ظروف قاسية نظاما وشعبا وسيتحول اليمن كله إلى قنابل وألغام متحركة مالم تحسنوا التعامل مع شعب اليمن لا مع شيوخ القبائل، وقد جربتم العامل في اليمن عن طريق مشائخ القبائل على مدى أربعين عاما ونيف ولم تحققوا إنجازا واحدا. ارفع صوتي وأقول: إذا كنتم وحلفاؤكم القدامى أعني أمريكا تحاربون الإرهاب فلا بد من استقطاب اليمن شعبا وقيادة وإخراجهم من محنة الحاجة قبل أن تمتد إليهم القوى الأخرى أعني قوى التهريب بكل أنواعه، وقوى الإرهاب بكل طوائفه وأشكاله، وإيران بكل مشاريعها لا نريدكم تدفعون مالا من أموال شعبكم، المطلوب تشغيل اليد العاملة اليمنية في كل مناحي الحياة بدلا من العمالة الأجنبية استقطبوا تلك القوة الفاعلة اليمنية كي لا يشغلها ضدكم أطراف أخرى.
(3)
أعرف أن على جدول أعمالكم مشروع الاتحاد بين أنظمتكم، والحالة السورية، والاتفاق السداسي مع إيران. أرجوكم يا قادتنا الميامين لا تنشغلون بفكرة الوحدة أو الاتحاد اليوم لأن ذلك مضيعة للوقت والجهد وانتم تعرفون في قرارة أنفسكم بأنكم مختلفون على كل شيء في شأن مستقبل المنطقة، أقول هذا رغم إيماني بضرورة الوحدة الخليجية والعربية لكن ليس هذا وقته ولا يمكن أن تقوم وحدة على عجل.
الشأن السوري إن أردتم تحقيق أهدافكم في إزاحة نظام بشار الأسد فلا بد لكم أن توحدوا جهودكم سياسيا وعسكريا وتمويلا، تجاربكم على مدى ثلاثة أعوام في سورية لم تجد نفعا بل عمقت الجراح واللاجئين أصبحوا بالملايين وكذلك النازحين وهم أصبحوا أمانة في أعناقكم.
أما الشأن الإيراني واتفاقهم مع الغرب فلا يمكن في ظروفكم الحالية رد عقارب الساعة إلى الوراء ومن أجل التصدي لنتائج ذلك الاتفاق فإني أطرح بين أيديكم ما يلي:
في المجال الداخلي: (1) إصلاح سياسي حقيقي، ويأتي في المقدمة إطلاق سراح سجناء الرأي وحقهم في التنقل. (2) في المرحلة المستعجلة اليوم تشكيل جهاز من اهل الاختصاص ــ ليسوا موظفين حكوميين ــ وأهل الرأي المستقل وإشراكهم في اتخاذ القرارات المستقبلية، ومن بعد تفعيل مجالس الشورى لتكون منتخبة ولها سلطة الرقابة والتشريع. (3) إعادة تنظيم القضاء ليكون قضاء مستقلا نزيها له سلطة الرقابة على القوانين واللوائح والأنظمة (4) المساواة والعدالة بين الناس وكفالة حرية التعبير (5) الفصل بين التجارة والوزارة/ والإمارة (6) إعادة النظر في عملية التصرف في المال العام فلا يجوز بعثرته فيما لا يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
في المجال الخارجي: (1) فشلت دبلوماسية الاسترضاء لأطراف إقليمية ودولية التي كنتم تمارسونها ولم تعد مجدية. (2) تركيا اليوم حليف فلا تفرطوا في حليف اليوم. (3) إيران ليست العدو الأول للمنطقة فتحييدها واجب قومي، واستعدائها خسارة إستراتيجية، وعليكم أيها القادة بناء قوتكم بدءا كما أشرت بتمكين الجبهة الداخلية لدولكم واحتضان المواطن وإشراكه في صناعة المستقبل. (4) الأردن واليمن دعامتان قويتان، ومخزون بشري كبير فيه كل الإمكانات علم وفكر ومهارات وأكثر وفاء وانتماء للخليج العربي ولو كان العراق حرا اليوم لكان المكمل لقوة الخليج العربي بوجود اليمن والأردن في هذه الدائرة.
آخر القول: تعاملوا بينكم بندية دون تعال أو استكبار. لقد مل حلفاؤكم خلافاتكم ولم يعد يكترث بأموركم، وعنده البدائل على الساحة الدولية فلا تدفعوهم بعيدا، ولكن عليكم الاعتماد على أنفسكم وشعبكم وليس غير ذلك.