إذا كان العالم كله قد حاصر النظام العنصري المقبور في جنوب إفريقيا كونه آخر نظام (الآبارتيد) في العالم الحديث فإنه اليوم في مواجهة عنصرية استيطانية صهيونية لا مثيل لها. وصلت العملية العنصرية في فلسطين المحتلة إلى أعلى مراتبها بقانون برافر العنصري المعروض على الكنيست والذي بموجبه سيتم طرد وبعثرة أكثر من أربعين ألفا من فلسطينيي النقب ومصادرة 800 ألف دونم من الأرض الفلسطينية. ليبرمان العريق في عنصريته والمسمى وزيرا للخارجية في الكيان العنصري يقول إن الاحتجاجات الفلسطينية على برافر مؤامرة على (أرض الشعب اليهودي). وإذا كانت الحقائق التاريخية والجغرافية كلها تفند مقولة هذا العنصري؛ فالحقائق الطبيعية تقول إنه ليس ثمة شعب اسمه الشعب اليهودي. هناك دين يهودي. والدين وحده لا يصنع قوما أو شعبا .. وإلا لكانت أوروبا كلها دولة واحدة وشعبا واحدا. هناك مقومات أساسية للشعوب والقوميات منها وحدة التاريخ والجغرافية واللغة والمصير المشترك والمصالح الواحدة. ماذا يربط البولندي اليهودي باليمني اليهودي مثلا؟ إنه الدين، ولكن البولندي من شعب آخر ومن عرق آخر وله لغة أخرى، واليمني من شعب آخر ولا جامع بينهما إلا اعتناق الدين اليهودي. ليس بينهما تاريخ مشترك ولا بينهما جغرافية مشتركة ولا حتى آمال مشتركة. مصلحة الصهيونية هي التي تتحدث عن شعب يهودي.
المهم أن الشعب العربي الفلسطيني يواجه مؤامرة الآبارتيد ـ في أوجها والذي لا بد لها بعد ذلك من الانحدار كمسلمة تاريخية. ما بعد القمة لا بد من النزول. والصهيونية لن تخرج عن الحتمية التاريخية أبدا. والصراع الدائر على أرض فلسطين هو تماما كالصراع الذي دار في جنوب إفريقيا بين سكان الأرض؛ أصحابها الأصليين وبين المستوطنين العنصريين. والكيان الصهيوني قام على الغصب والاستيطان، وهو في حقيقة الأمر آخر استعمار استيطاني عنصري على وجه البسيطة. وإذا كانت أوروبا قد بدأت عملية مقاطعة منتجات المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية فإن المطلوب محاصرة الكيان العنصري الغريب عن الناموس الإنساني. وإذا كانت أوروبا تشعر لما تزل بما يسمى تأنيب الضمير نحو( اليهود) فهي مطالبة أكثر بأن تنصف أصحاب الأرض الفلسطينيين بعد أن تسببت في نكبتهم عام 48 وبعد أن منحت اليهود حقا في فلسطين بقرار التقسيم الصادر عام 1947وبعد أن بات شغل الصهاينة الشاغل اليومي هو التنكيل بأصحاب الأرض وحرمانهم من العيش الطبيعي، وقتلهم واعتقتالهم ومصادرة أملاكهم وأراضيهم وامتهان كراماتهم، وممارسة أبشع أساليب التمييز العنصري ضدهم بالقوانين غير المسبوقة في العالم كله .. إلا تلك التي كانت في جنوب إفريقيا قبل هزيمة نظام الفصل العنصري هناك.
ليس من شك أن نهاية الاستعمار الاستيطاني في فلسطين ستكون كما هي نهاية العنصرية في جنوب إفريقيا، ولكن ذلك يتطلب تضامنا عالميا مع شعب فلسطين وحقوقه الطبيعية والمعترف بها دوليا. إلى جانب تضامن قومي وإسلامي مع النفس العربية المظلومة في فلسطين المحتلة.
فلسطين أرض عربية وإسلامية ومسؤوليتها تقع أولا على عاتق العرب والمسلمين، ولا بد أيضا من تضامن إنساني شريف يقف في صف الحق والعدل وبالضد من العسف والإرهاب العنصريين في أرضنا العربية الفلسطينية ومن كل أحرار الأرض أيضا.
نواف أبو الهيجاء كاتب فلسطيني
Nawaf.m.abulhaija@gmail.com