أحمد القديدي/نحن ولعبة الأمم في الملف الإيراني

عاصفة صاخبة بدأت تهب على العلاقات الأمريكية الخليجية والعربية عموما والتركية أيضا والإسرائيلية.. كذلك ولأسباب مختلفة بسبب التغيير المفاجئ لموقف واشنطن من الملف النووي الإيراني. وقد لخص مؤتمر مفكرين عرب اجتمعوا في الدوحة الأسبوع الماضي هذا التغيير بالقول إن 100 مليار دولار أنفقتها دول الخليج في السباق على التسلح ذهبت هباء لأن الغاية من العقيدة العسكرية الخليجية المشروعة كانت متجهة لاحتمال عدوان إيراني على دول مجلس التعاون مع استثناء الموقف القطري والموقف العماني المتسمين بكثير من الحكمة وبعد النظر إزاء بلاد جارة مسلمة هي التي اعتنقت الإسلام منذ فجره المبين وقدر الخليج أن يتعايش ويتفاعل مع متغيرات سياساتها.

ثم جاء الوزير جون كيري ليلتف على عزم الرئيس أوباما بضرب المفاعلات النووية الإيرانية ويحول وجهة الدبلوماسية الأمريكية نحو الحل السلمي واستقطب كيري أغلب الدول الأوروبية لعقد مؤتمر جنيف 2 بين إيران والخمسة زايد واحد واستطاع أن يروض الحية الإسرائيلية المتحفزة لاستعداء أمريكا والغرب عموما ضد طهران بل وأقنع (سرغي لافروف) بضرورة التركيز على مصالح العملاقين الأمريكي والروسي في هذا الملف لا التفكير في مصالح شعوب الشرق الأوسط. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن واشنطن هي التي تشكل القاطرة في التعاطي مع الملف الإيراني وهو قضيتها هي دون منازع وتعتبر الإدارة الأمريكية أن دول أوروبا وتركيا ودول الخليج العربي والعراق حلفاء لها لا يشكون في نواياها وليس لديهم حلولا بديلة عن الحلول الأمريكية حتى لو غبروا عن بعض احترازاتهم ومحاذيرهم.

وجاء نشر الأمريكان من جانب واحد جزئيات الاتفاق الحاصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المحاورة لها وهو في حد ذاته عملية دبلوماسية تسويقية القصد منها وضع الجميع أما الأمر المقضي حين كشف الأمريكيون تفاصيل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين (5+1) في جنيف يوم الأحد الماضي إيران والقوى الكبرى وحين نقرأ ديباجة هذا الاتفاق بالعيون الأمريكية نكتشف أنه يهدف إلى وضع حد لطموحات إيران النووية مقابل وقف جزئي للعقوبات الدولية والغربية المفروضة على طهران، مع تفاصيل كثيرة للبنود التالية، تلتزم إيران بالتالي: وقف تخصيب اليورانيوم لنسبة أعلى من 5 بالمائة والتخلص من كمية اليورانيوم المخصبة إلى نسبة 20 بالمائة ثم وقف أي تطوير لقدرات تخصيب اليورانيوم وعدم زيادة مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة % 3.5 إلى جانب وقف أي نشاط في مفاعل آراك ووقف أي تقدم في مجال تخصيب البلوتونيوم والالتزام بالشفافية التامة في السماح للوكالةالدولية للطاقة الذرية بالتفتيش المفاجئ واليومي لمنشآت إيران النووية، بما في ذلك مصانع أجهزة الطرد.

هذه حسب الجانب الإيراني كما وقع عليها وزير الخارجية الإيراني في جنيف 2 أما الجانب الغربي المتمثل في القوى الأمريكية والروسية والأوروبية والذي تكفلت الوزيرة الأوروبية للشؤون الخارجية السيدة كاترين أشتون التوقيع باسمه فيلتزم بتخفيف “محدود ومؤقت وقابل للتغيير” لنظام العقوبات على إيران، مع الإبقاء على الهيكل الأساس للعقوبات كما هو خلال فترة الستة أشهر، ويتضمن ذلك: عدم فرض أي عقوبات جديدة إذا التزمت إيران بما تم الاتفاق عليه خلال فترة 6 أشهر وتعليق العمل بعقوبات محددة مثل العقوبات على التعامل في الذهب والمعادن وقطاع السيارات الإيراني وصادرات إيران البتروكيماوية بما يوفر لها 1.5 مليار دولار من العائدات والسماح بإصلاحات وإعادة تأهيل بعض خطوط الطيران الإيرانية مع الإبقاء على مبيعات النفط الإيرانية عند مستواها المنخفض الحالي (الذي يقل بنسبة 60 بالمائة عن مستويات 2011 ) والسماح بتحويل 4.2 مليار دولار من عائدات تلك المبيعات إلى إيران على أقساط بالتزامن مع التزام طهران بتعهداتها في الاتفاق كما ينص التزام الدول المفاوضة لطهران على السماح بتحويل 400 مليون دولار من أصول إيران المجمدة لتغطية نفقات دراسة الطلاب الإيرانيين في الخارج وإجمالا، ستستفيد إيران بنحو 7 مليارات دولار لكن القدر الأكبر من احتياطاتها الأجنبية (نحو 100 مليار دولار) ستظل مقيدة بالعقوبات، وستبقى العقوبات مفروضة على مبيعات الطاقة الإيرانية (ولن يسمح بزيادة الصادرات) وكذلك على البنك المركزي الإيراني وعدد من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.

أما الجزء المسكوت عنه إيرانيا وكشفت عنه المصادر الغربية فهو المتعلق باستمرار العقوبات على أكثر من 600 من الشخصيات والمنشآت الإيرانية التي لها علاقة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ. وللحقيقة يجب مواجهة أنفسنا كعرب وننظر إلى وجوهنا في مرأة التاريخ الحديث لنكتشف أن سوريا تغرق أكثر فأكثر في صراع عنيد بين فرقاء انقسموا إلى جزئيات انفلقت هي الأخرى إلى جزيئات ولم تعد تدرك من المنتصر ومن المهزوم ومن الشرعي ومن الخارج عن القانون وأن مصر انشطرت نصفين يستحيل أن يصطف عاقل حكيم بينهما إلى صف وأن ليبيا تفقد الأمن والأمان ويتسع العنف الأعمى فيها يوميا وأن تونس لم تهتد إلى رجل رشيد يضمد جراحها ويعيد الثقة المفقودة بين المتنافسين وأن العراق فقد في أربعة شهور 9 آلاف ضحية وأن فلسطين تنقسم إلى أحزاب كل بما لديهم فرحون! ثم نريد أن يقرأ لنا العالم حسابا ويفكرفي مصيرنا! اللهم عفوك ورضاك وصالح هداك.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري