مناخ متجدد يستعيد شعارات ثورة 25 يناير يطغى على مصر هذه الأيام. خوف من السلطة ونقمة على الإجراءات التي تتخذها بحق المعترضين والمختلفين مع رأيها. أسئلة كثيرة تدور حول المرحلة الانتقالية وقدرة جهاز الحكم الحالي، المتمثل في تحالف مدنيين مع القيادة العسكرية، على المضي بأمان ونجاح نحو إخراج مصر من ازمتها الاقتصادية وحالة الجمود السياسي المسيطرة. صحيح أن البلد ما زال يعيش في ظل مناخات انتصار «ثورة 30 يونيو»، ونجاح الجيش في إبعاد «الإخوان المسلمين» عن الحكم، غير ان الإجراءات الأمنية الأخيرة التي اتخذتها حكومة حازم الببلاوي لمعاقبة المحتجين على قانون التظاهر، ومحاولات تشريع وضع خاص للجيش في الدستور الجديد الذي يتم نقاش نصوصه وتعديلاته الأخيرة، تشق الآن هوة بين الأطراف التي شاركت في الانتفاضة الشعبية على حكم محمد مرسي، والتي سمح خروجها بالملايين في شوارع مصر للفريق عبد الفتاح السيسي والقيادة العسكرية بإخراج مرسي من قصر الرئاسة.
من الخطأ أن تستهين القيادة العسكرية الحالية بهذا المناخ. من الخطأ أيضاً أن تعتبر أن الحملة الإعلامية والسياسية والأمنية التي تخوضها ضد «الإخوان المسلمين» تستطيع أن تستمر في كسب قلوب وعقول ودعم المصريين، إذا لم تأخذ في اعتبارها ضرورة المحافظة على المكتسبات التي يعتبر المصريون أنهم حققوها من خلال ثورة 25 يناير، والتي لا يبدو من خلال حراكهم المستمر انهم مستعدون للتخلي عنها. هذه المكتسبات هي ببساطة: عدم التطرف والمغالاة في تطبيق القانون. احترام كرامة المواطن وحريته في التعبير عن رأيه. وضبط سلوك الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة التي كانت تجاوزاتها الماضية سبباً مباشراً وراء اندلاع الاحتجاجات التي انتهت بسقوط نظام حسني مبارك. ثم، وربما الأهم، ضمان حياد القضاء واستقلاليته عن أهواء الحاكم، عند إصدار أحكامه.
تذكرت صدفة أننا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما حدثني صديق مصري عن «لعنة نوفمبر» على الحكام المصريين على مدى السنوات الثلاث الماضية. ذكّرني صديقي بنوفمبر 2010 وما رافقه من تزوير للانتخابات، ما أطلق اشد الاحتجاجات على نظام حسني مبارك، الأمر الذي انتهى بإسقاطه بعد ثلاثة اشهر. ثم تذكّر نوفمبر 2011 وأحداث شارع محمد محمود والعنف الذي مارسته الشرطة وقوات الأمن المركزي ضد المتظاهرين، وما أعقب ذلك من حملة شعبية واسعة ضد المجلس العسكري الذي كان حاكماً آنذاك برئاسة المشير حسين طنطاوي، وذلك على الرغم من شبه التحالف الذي كان قائماً لقرابة العام بين شبان الثورة والقيادة العسكرية. انتهى الأمر إلى إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تسريع الجدول الزمني لنقل السلطة والدعوة إلى انتخابات منتصف عام 2012 كحد أقصى.
ثم كان نوفمبر 2012 والإعلان الدستوري الذي منح محمد مرسي نفسه بموجبه صلاحيات رئاسية واسعة جعلت المعترضين يطلقون عليه «الفرعون الجديد». هذا الإعلان، إلى جانب تجاوزات أخرى لحكم «الإخوان» وإجراءات حثيثة اتخذوها بهدف التفرد بالهيمنة على أجهزة الدولة وإقصاء من يخالفونهم الرأي، عجّلت كلها في الانتفاضة الشعبية الواسعة في 30 يونيو، التي انتهت بتدخل الجيش لإبعاد مرسي عن الحكم.
والآن… نوفمبر 2013! ولأول مرة منذ ذلك الإبعاد، تظهر الانشقاقات في صفوف حلفاء الأمس الذين وقفوا معاً، مدنيين وعسكريين، ضد هيمنة «الإخوان» وسعيهم على مدى عام من حكمهم إلى فرض رأيهم ومواقف جماعتهم على مؤسسات الدولة وعلى قيم المجتمع المصري. الانتقادات موجهة اليوم إلى الصلاحيات الواسعة التي أعطيت للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين الذين يتعرضون لأفراد الجيش والقوات المسلحة. ولمنح المجلس العسكري ما يشبه حق الفيتو للموافقة على تعيين وزير الدفاع، فضلاً عن القيود التي فُرضت على مجلس الشعب لتحول دون مراقبة النفقات والمخصصات التي تصرف على الجيش ووزارة الدفاع. وفوق كل ذلك جاء قانون تنظيم التظاهرات الذي يواجه الآن احتجاجات واسعة.
ماذا يخبئ نوفمبر 2013؟ تحتاج مصر إلى الاستقرار أكثر من أي وقت وإلى توسيع شبكة علاقاتها الإقليمية والدولية والحد من أصوات الاحتجاج والانتقاد لسلوك حكومتها وقيادتها. هناك مخاوف من ألاّ تبقى الحملة على «الإخوان» كافية وحدها لكسب قلوب المصريين وعقولهم. عندها ستكون هناك حاجة للبحث عن طرق اخرى لإنعاش شعبية الحاكم.