د.خليل العناني/الإسلاميون بين “المحافظية” و”الثورية”

لم يكن سؤال الدين حاضرا حين قامت “ثورات الربيع العربي” قبل ثلاثة أعوام. ولم تكن الجماعات والأحزاب الإسلامية هى المحرك الأساسي لهذه الثورات بقدر ما كانت إحدى القوى المستفيدة من سقوط أنظمة الفساد والاستبداد. بيد أن الصراع على الدين كان محددا أساسيا فى ديناميات التحول السياسي التي رافقت محاولة تشكيل الأنظمة السياسية الجديدة فى المنطقة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. ولعله من المفارقات أن يصبح الدين، بالمعنى الحركي والسياسي، بمثابة أحد العوامل التي ساهمت في تراجع وسقوط الحركات الإسلامية بشكل مفاجئ وسريع. وكان استحضار الأيديولوجية الدينية، بشكلها الكلاسيكي الأرثوذكسي، بمثابة عنصر خصم من رصيد الحركة الإسلامية ليس فقط بسبب تديينها للخلاف السياسي بشكل حاد ومفزع ساهم في نثر بذور الانقسام الهوياتي وإنما أيضا بسبب فشلها في تقديم نموذج للحكم ناجح وفعال ما عكس خواءها الفكري وضعفها البرامجي والعملاني.
لم يكن الهدف الأساسي للحركات الإسلامية فى مرحلة ما بعد “الربيع العربي” هو تدشين حلمها التاريخي بأسلمة المجتمعات العربية التي كان قد جرى بالفعل أسلمتها طقوسيا وشكليا طيلة العقد الماضي نتيجة لعملية “السلفنة” التي كانت تجري على قدم وساق بدعم من الأنظمة القديمة في إطار صراعها التقليدي مع جماعة “الإخوان المسلمين”، بقدر ما كان محاولة تثبيت أقدامهم في المشهد السياسي الجديد وذلك لضمان عدم عودة الأنظمة القمعية القديمة من جهة، وإعادة صياغة المجال العام وقواعده من جهة أخرى بشكل يناسب وزنهم السياسي والتنظيمي.
بل الأكثر من ذلك فإن الطابع المحافظ للحركات الإسلامية كان ولا يزال بمثابة العبء الأساسي فى عملية التكيف مع الأوضاع الجديدة. صحيح أن هذه الحركات هي بمثابة انعكاس لتيار مجتمعي محافظ وتقليدي يبدو مهيمنا على المجتمعات العربية، إلا أن افتقاد قيادات هذه الحركات للأفكار والبرامج الثورية التي يمكنها أولا إحداث نقلة نوعية في المجتمعات العربية واستجابة لتوقعاتهم من قيام الثورة، وثانيا احتواء القوى والتيارات
الثورية خاصة الشبابية، كان من أهم أسباب تراجعها وفشلها طيلة الأعوام الثلاثة الماضية. ولعل ذلك ما يفسر انقلاب الشباب ضد الحركات الإسلامية ورفضهم لمشروعهم السياسي. فى حين كان الانكشاف الفكري والأيديولوجي لحركة كبيرة مثل جماعة “الإخوان المسلمين” بمثابة صدمة لكثير من المراقبين والمتابعين للحركة. بالنسبة لي فإن سقوط جماعة الإخوان من السلطة لم يكن سوى مسألة وقت وذلك ليس فقط لهيمنة التيار المحافظ على التنظيم الإخواني بكل ما يحمله من مشاكل وأمراض نفسية وتنظيمية، وإنما أيضا بسبب الفقر والإفلاس الفكري والانتليجنسي للجماعة ككل واقتصار خطابها على عبارات فضفاضة فارغة المعنى والمضمون ليس لها هدف سوى التعبئة والحشد. ناهيك عن الجمود والتحجر التنظيمي الذي ازداد بعد وصول الجماعة للسلطة بحيث أصبح الحراك الداخلي والترقي التنظيمي مرتبطا بالمحسوبية والعلاقات الشخصية
أكثر من القدرة والكفاءة.

د. خليل العناني* * كاتب وأكاديمي مصري.
kalanani@gmail.com

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير