كلّما سافرتُ إلى بلدٍ غربي وركبتُ الحافلة أو القطار أو الطائرة وراقبت الناس فيها اشعر بغيرة شديدة وأنا أجد كلّ واحدٍ من الركاب مستغرقاً في قراءة كتاب أو رواية بين يديه في صورة من أجمل الصور لاستثمار الوقت في ما هو نافع، وإذا سعل راكبٌ في المقطورة التي تبعد عن المقطورة التي أكون فيها مائة متر فإنّ جميع من في القطار يسمعونه، وذلك لغلبة الصمت على القطار برمّته، بينما إذا قدّر لك أن تركب حافلةً أو قطاراً أو طائرة في رحلةٍ في بلد عربيّ ما فإنّك تسمع ثرثرة وضجيجاً لا يهدأ إلاّ بمغادرتك ما كنت تركب.
في مطارات الدول الأجنبية وفي صالات الانتظار قبيل الدخول إلى الطائرة وأحياناً عند مدخل الطائرة توجد نسخ من مجلاّت وصحف متنوعة يستطيع المسافر أن يختار ما شاء منها كي تتسلّى به في أثناء الرحلة. وليس من الصعب على شركات الطيران العربيّة أن توفّر مثل هذه الخدمة لركابها.
وفي هذا المضمار فإنني أقترح الخطوط الملكية الأردنية وسائر شركات الطيران الأردنية اقتراحاً قد يكون الأول من نوعه في شركات الطيران العالمية. ويتمثل هذا الاقتراح في تخصيص مساحة في مقدّمة كلّ جزء من أجزاء الطائرة توضع منها خزانة ذات أرفف تتسع لنحو كتاب مائة كتاب في موضوعات متنوعة: روايات وقصص قصيرة وأشعار ومجلاّت وكتب فكرية باللغتين العربية والإنجليزية، بحيث يكون مجموع الكتب في الخزائن نحو ثلاثمائة كتاب تكفي لجميع ركاب الطائرة، ويعلن دائماً للركاب عن وجود هذه الكتب وأنّ بإمكانهم أن يختاروا من شاءوا من تلك الكتب لمطالعتها خلال الرحلة.
إنّ توفير مثل هذه الكتب وهذه الخزائن لا يكلّف شركات الطيران أيّ نفقات إضافية، وتستطيع وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية وأمانة عمّان الكبرى ومؤسّسة عبد الحميد شومان ومكتبات الجامعات الأردنية أن تزوّد شركات الطيران المحلية بكميات من مطبوعاتها أو من مجموعات الكتب المخصصة لديها للإهداء، كذلك تستطيع وزارة الثقافة أن تخصص نسخاً من منشورات مكتبة الأسرة سنوياً لشركات الطيران الأردنية، وهي كلّها كتب منتقاة ومشهورة أردنية وعربية وعالمية. وليس هناك ما ينع أن تقوم الخطوط الملكية الأردنية بتخصيص جزء من نفقاتها لشراء كتب المؤلفين الأردنيين إمّا من الناشرين أو من المؤلفين مباشرة، وهذا يتيح لخطوط الطيران أن تجدّد معروضاتها من الكتب شهرياً أو فصلّياً بشكل دوري.
إن تنفيذ هذا الاقتراح يؤدي إلى نتيجتين مهمتين:
الأولى: التعريف بالكاتب الأردني وإشهاره والترويج لمؤلفاته عربياً وعالمياً، حيث ينتمي المسافرون في العادة إلى بلدان مختلفة.
الثانية: تشجيع عادة القراءة لدى المسافرين من المواطنين الأردنيين والعرب وإذهاب الملل عنهم وخاصّة في الرحلات الطويلة.
وإذا ما نجحت هذه التجربة، وهي ليست صعبة ولا مكلفة بأية حال، فإنه يمكن تطبيقها على وسائل النقل المحلية الأخرى.
salahjarrar@hotmail.com