يمكننا أن نطلق على القمة العربية الإفريقية الثالثة التي اختتمت مؤخرا في دولة الكويت الشقيقة، بقمة الوفاء المستدام للأفارقة، فلو حللنا نتائجها وما جرى فيها، وكذلك قبلها من تحضيرات لكبار المسئولين واجتماعات لوزراء الخارجية العرب والأفارقة، والوفود الإعلامية الإفريقية الكبيرة العدد، فسوف نجد أن دولة الكويت قد دفعت بهذه القمة لصالح التنمية الإفريقية من منظورين أساسيين، الأول، كويتي إفريقي، والثاني، عربي إفريقي، وحتى هذا الأخير، كان بمبادرة كويتية ولصالح القارة الإفريقية من عدة أبعاد مهمة، منها، ما هو إنساني خالص، ومنها ما هو تنموي واستثماري، ثنائي المقصد والمبتغى، أي إنساني وربحي، وفق رؤتين استراتيجيتين بأجلين زمنيين مختلفين، متوسط الأجل، مدته خمس سنوات، وأفضل مثال على هذا المدى الزمني، تخصيص الكويت مليار دولار كقروض ميسرة للتنمية الإفريقية، وأجل دائم جاء ليعزز مفهوم الشراكة الجديدة بين العرب والأفارقة، ويمكن أن نقدم هنا مثالا لذلك، مبادرتي الكويت بتخصيص مليار دولار آخر للاستثمار في البنية التحية في إفريقيا، وجائزة سنوية بمليون دولار للأبحاث التنموية في إفريقيا باسم الدكتور عبدالرحمن السميط، وتوجيه القطاع الخاص الكويتي للاستثمار المركز في إفريقيا على قاعدة المنافع المتبادلة.
إذن، لماذا تقف الكويت خلال الظرفية الراهنة وبقوة لصالح التنمية الإفريقية؟ وربما علينا أن نطرح هذا التساؤل بالصيغة التالية حتى يفهم البعد المستهدف من تكراره، وهو، لماذا تقود الكويت نحو (77) دولة ومنظمة إقليمية ودولية لخلق شراكة حقيقية بين العرب والأفارقة في التنمية والاستثمار؟ وأي تنمية؟ وقد طرحت هذا التساؤل في الحوار الذي أجراه معي التلفزيون الكويتي الرسمي قبل افتتاح القمة والذي استغرق لمدة ساعة ونصف الساعة تقريبا، وفي ختامها، أي القمة، كانت الإجابة على تساؤلنا واضحة، حيث تم الانحياز للاحتمال الذي طرحناه في اللقاء، وهي التنمية المستدامة، وليس التنمية التي يستفيد منها الشركات ورجال الأعمال فقط على حساب مصالح الشعوب، حيث كانت كل القمم العربية العربية، والعربية الإفريقية، والإفريقية الإفريقية، السابقات، تعمل على تدوير التنمية وفق المستوى الراسي وليس الأفقي الذي يخدم مجموع المصالح، وماذا كانت النتيجة؟ انفجار العديد من الشوارع في عدد من العواصم العربية، وسقوط أنظمة مركزية وقوية ظاهريًّا، وتوترات وصراعات داخلية قائمة بسبب عدم عدالة التنمية وإقصائها البعد التنموي والإنساني؟ اما في القارة الإفريقية فهناك فقر مدقع في (17) دولة افريقية، يهدد وجود الحياة البشرية فيها، وفقر مهين للكرامة البشرية في (18) دولة افريقية بينما هناك (7) دول افريقية بترولية، وضعها شبيه بالوضع العربي بشقيها النفطي وغير النفطي، وهنا نجد الكويت قد عبرت عن وعي وعن مسئولية والتزام غير مسبوقة تجاه الأفارقة يتناغم وينسجم مع الوعي المجتمعي العام الذي أنتجته أحداث عام 2011 في الفضائين العربي والإفريقي والمعروف باسم الربيع العربي، حيث نجحت الكويت في تحريك العلاقات العربية الإفريقية من هيمنة التاريخ والثقافة إلى إدخال البعد التنموي والاستثماري كمحرك جديد لهذه العلاقات بعدما تم الاكتشاف عن مدى حاجة كل من الفضائيين لبعضهما البعض، حاضرا ومستقبلا، خاصة الكويت التي لن تنسى ولن تتناسى وقوف الأفارقة معها أثناء غزو صدام لها في الوقت الذي تشعر فيه بغصة تاريخية كبيرة من أشقاء عرب بسبب موقفهم من الغزو ، فهل هو إذن رد الجميل؟ لما بحثنا في المساعدات الكويتية لإفريقيا قبل القمة، سواء كانت هذه المساعدات حكومية أو أهلية مثل ما كان يقوم بها الدكتور عبدالرحمن السميط ـ رحمه الله – وتأملنا في سبل تعزيزها أثناء القمة ومن قبل أعلى سلطة سياسية، مثل تلك المساعدات السالفة الذكر، لم ينتبنا أدنى شك بأن الكويت تحتفظ بوفاء سياسي مقدس يترجم الآن إلى مجموعة التزامات كويتية إفريقية، وعربية إفريقية، لها صفة الدوام، وقد لمسنا ذلك أثناء وجودنا لمدة أسبوع في الكويت، حضرنا من خلاله القمة العربية الإفريقية، وبذلك كلنا قريبين جدا من تلك المشاعر العامة التي جاءت المبادرات الكويتية في القمة معبرة عنها أفضل تعبير، وتعطينا في المقابل صورة واضحة عن إعادة توجيه البوصلة الكويتية من الرهان على العربي العربي إلى رهان آخر ومهم على القارة الإفريقية، قد لا يكون بديلا لدى عموم الكويتيين من سياسيين ومفكرين ومواطنين عاديين، لكنه قد يكون كذلك عند البعض على الأقل خاصة أولئك الذين لا يزالون يحتفظون بذاكرة حية للغزو العراقي ومواقف الدول منه، ونعتقد أن أعدادهم كبيرة، وقد يعزز من عمومية هذا البديل، الرسائل الايجابية التي تصل من الأفارقة على أعلى مستوى، وهى رسائل تعزز المشاعر الكويتية، وتدفع بالسياسة الكويتية بالتالي إلى استشراف الرؤية الإفريقية البديلة بعد اكتشافها أثناء الغزو، ولعلنا نقدم هنا للاستدلال على هذا القول المهم، قصة احد زعماء الأفارقة الذي طلب زيارة قبر السميط، أتدرون لماذا؟ لأن هذا القائد كان صنيعة المساعدات الكويتية، فقد اعترف بأنه كان أحد اليتامى الذين كفلهم السميط حتى حصلوا على أعلى الشهادات العلمية، ومنها استحق هذا المنصب في بلاده، لذلك فهو يعترف للكويت عامة والسميط خاصة بجميل ابدي، وهذا ما دفعه إلى زيارة قبره، والى الاعتراف بذلك، وهذا ما يجعل للكويت مكانة محورية ومركزية ذاتية وعامة لدى الأفارقة، وهذه ليست حالة فردية، وإنما حالة تعبر لنا عن مكانة الكويت لدى الأفارقة، وتتحدث المصادر الكويتية والإفريقية على السواء عن دخول (11) مليون إفريقي إلى الإسلام عن طريق السميط، ونقل لنا من مصادر كويتية أن السميط نفسه يعترف بأنه كان يتلقى أموالا كويتية عامة إبان عهد أمير الكويت الراحل الشيخ جابر ـ رحمه الله ـ طبعا بالإضافة إلى أمواله الخاصة، وكل من تابع كلمات الأفارقة في الجلسة الختامية على وجه التحديد سوف يلمس بوضوح العواطف المتبادلة بين الجانبين، فقد أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي صفة العائلة الواحدة، وأعاد للأذهان وقوف الأفارقة مع الكويت في محنتهم التاريخية، وقد تم تحديد أربع دول افريقية بالاسم كان لها الدور الأكبر في وقوفها مع الكويت، وهذه إشارة واضحة جدا بان تكون لتلك الدول استثنائية تنموية واستثمارية في المساعدات الكويتية الجديدة، فهل فهمت الكويت هذه الرسالة ؟
من هنا تجد الكويت نفسها تحت ضاغطين قويين، الأول، تطلع أصدقائها الأفارقة لنصيب اكبر من مساعداتها الإفريقية تحت ضغط التلويح بدورهم التاريخي معها، والثاني، البعد الإنساني لتوجهاتها التنموية والاستثمارية نحو القارة الإفريقية تحت ضغط النتائج الايجابية التي حققتها المساعدات الإنسانية للدكتور السميط في إفريقيا والتي جعلت من ذلك الزعيم الإفريقي يعترف بدور المساعدات الإنسانية الكويتية (الأعمال الخيرية) عليه وعلى الآلاف بل الملايين من الأفارقة، والتي تحركها الخيرية من أجل الإنسانية أي ليست السياسة، فهل تعطي الكويت المسارين نفس الأهمية أم ستنحاز للبعد السياسي التاريخي؟ وكلا التوجهين ينبغي أن يشكلا للكويت أولوية متساوية الأهمية، وكلاهما يشكلان ضمانة مستدامة للوقوف مع الكويت في السراء والضراء، لأنها بذلك تكسب الأنظمة والشعوب معا، وليس الأنظمة فقط، وهنا يمكن القول بكل صراحة إن الكويت قد أصبحت تلعبها في الاتجاه الصحيح، نستدل على ذلك بماهية وحجم مساعداتها السالفة الذكر، ونستدل على ذلك كذلك، بكيفية إدارة وإخراج نتائج القمة العربية والإفريقية الثالثة، فالمتأمل فيها، سوف تستوقفه كثيرا اتجاه وضع الأسس والبنيات للشراكة العربية الإفريقية بدلا من الإعلان عن مشاريع محددة، وهي أسس وبنيات تربط الأمن والاستقرار والبيئة والعيش الكريم والثقافة .. بمفهوم التنمية أي التنمية المستدامة، وتجعل من التنمية الزراعية والأمن الغذائي قاطرة الشراكة الجديدة على اعتبار أن الزراعة مهنة الملايين من الشعوب الإفريقية، وعلى اعتبار حاجة العرب لضمانة أمنهم الغذاء، وماذا يعني ذلك؟ يعني أن قمة الكويت تؤسس الأرضية والانطلاقة لبقية القمم اللاحقة، وتعني أنها تؤسس لتعاون مؤسساتي عربي إفريقي جماعي رغم قابليته للاستيعاب الثنائي، وبالتالي، فإن الشراكة العربية الإفريقية تحتاج خلال المرحلة المقبلة لخطوات وبرامج تنفيذية لإعلان الكويت، لكننا نخشى أن لا يكون الآخرون بنفس حماس الكويت تجاه إفريقيا، إذ إننا نرى الخيار الثنائي في التعاون العربي الإفريقي لا يزال قائما رغم أن كل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإقليمية والعالمية قد تغيرت، وهذا في حد ذاته يشكل فرصة تاريخية للعرب والأفارقة على السواء .. فهل سوف يستغلونها خاصة العرب أم سيفوتنا عليهم هذه الفرصة التاريخية ؟ فكيف لو عرفنا أن القوى الاقتصادية الكبيرة والصاعدة سوف تجعل من إفريقيا ساحة صراعاتها وحروبها المقبلة وذلك لمواردها الطبيعية الضخمة واكتشاف النفط في بعض دولها بكميات فوق المتوقع .. للموضوع تتمة.
د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج