عبدالله اسكندر/لبنان: تغيير الوطن

لم يعد مقنعاً التباكي على التدهور الامني في لبنان والتنديد بالمؤامرة والتفجيرات. اذ في مقدار ما تعلو الاصوات بادعاء الحرص على الهدوء والاستقرار تزداد كمية المتفجرات المكتشفة الموجهة الى اهداف في لبنان. وقد تمضي سنوات في الجدل في شأن المصدر والمستفيد، بعد عقود من الجدل في المسألة نفسها. وفي الغضون تتقطع الاعصاب المتبقية في لحمة هشة لوطن يرى الجميع انه لم يعد سوى اداة في التغيرات الكبرى في المنطقة.
الازمة في لبنان لم تعد تتعلق بعناد سياسي يقضي على فرص تشكيل حكومة، او بمشكلة فراغ سياسي بعد التجديد للمجلس النيابي او باحتمال الوصول الى نهاية العهد من دون القدرة على انتخاب رئيس جديد.
الأزمة باتت تتعلق بقناعة لدى قسم من اللبنانيين تتزايد مؤشراتها الى ان التوافق مع القسم الآخر لم يعد ضرورياً للتعايش. والأخطر في هذه القناعة انها تصدر عن القسم الأكثر تسليحاً واستعداداً للقتال في الداخل، بعدما قاتل في سورية حيث الصراع بات صراعاً مذهبياً صريحاً وتتقاتل فيه الاطراف بصفته تلك. كما حرص على اعلان هذا التقدم من اجل تأكيد ان امساكه، حتى الآن، عن استخدام القوة في الداخل اللبناني ضد جماعة المذهب الآخر الذي يقاتل بعضه في سورية، هو نوع من اعطاء الفرص للآخرين لينضموا اليه طوعاً وينفذوا أغراضه، قبل ان يضطر لاحقاً الى ارغامهم، عنوة، على ذلك.
هذا النهج لا يحركه الخلاف السياسي المحلي، انه يخاصم ما تبقى من الوطن والدولة، بما فيها مؤسساتها الدستورية. فاذا كان ثمة توافق بين هذا الفريق وبين رئاسة البرلمان لأسباب التوافق المذهبي، فإن خصومته لعمل هذه المؤسسة التشريعية اتضح من خلال تعطيلها في السابق وحالياً. اما خصومته للسلطة التنفيذية، خصوصاً رأسها رئيس الجمهورية، فلا تحتاج الى دليل، بعد الحملات والانتقادات الكثيرة لشخص الرئيس. اما الأجهزة الامنية والقضائية فلا تعمل الا بموافقة هذا القسم، نظراً الى التسلل الى داخلها او التأثير غير المباشر.
المشكلة باتت تطاول الكيان والدولة وليس مجرد صيغ التعايش اللبناني. وكل ما يساهم في استمرار ازمة الحكم الحالية يغذي المشكلة الأم. ويسقط كل ادعاء بالحرص على تجاوز هذه الازمة عبر تنازلات وهمية تتناول الحصص.
المسألة باتت تتعلق بالخيار السياسي، ومعه الخيار الوطني. وفي مقدار الالتصاق بالصراع السوري والمشاركة فيه، في مقدار ما يتعمق الاصطفاف المذهبي وتتلاشى المقومات الدنيا لبقاء الوطن والدولة في لبنان.
لا احد ينفي ان ظاهرة التعصب تخترق المذاهب، ولا احد ينفي ان التشدد المذهبي يدفع في اتجاه تبادل الحقد والانكار وصولاً الى التقاتل. لكن مشروع تغيير وطن يتطلب اقتتالاً يتجاوز بكثير مجرد تبادل مواقف مذهبية متشددة. انه يحتاج الى مجازر تقطع اوصال تعايش تميز به لبنان، نظراً الى التوازن على هذا المستوى، والذي ساد فيه منذ نشأته، وإن كان هذا التوازن يحتاج الى تغير في صيغ استمراريته.
الانخراط في الصراع في سورية واعتباره وجودياً، لم يعد يحتمل وطناً متوازناً في لبنان. لقد بات ملحاً، في اطار ضرورات هذا الصراع، تسريع تنفيذ بنية الوطن والدولة.
وليس افضل من مبرر لتأكيد هذا الالحاح مثل ارهاب «القاعدة»، بوصفه ارهاباً مذهبياً، وضعه النظام السوري منذ بداية الحركة الاحتجاجية السلمية كمبرر للحل الامني المستمر. ارهاب «القاعدة» عابر للحدود ولا يعترف بالاوطان ويعمل على تدمير الدول القائمة، لذلك يضرب عشوائياً في اي موقع تتوافر فيه الظروف، خصوصاً حيث تضعف القدرات وتتزايد مشاعر الاحباط المذهبي. وهذا ما حل بلبنان، على نحو منهجي. لتصبح «القاعدة» في لبنان من ضرورات مشروع تغيير الوطن… وهذا ما حصل ويحصل في العراق وفي سورية.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات