مثلما ارتعب نتنياهو من الانفتاح الإيراني, والانفراج في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية, ومثلما انزعج للمكالمة الهاتفية التي جرت بين أوباما وروحاني، فإنه متوتر ومصاب بالهلوسة مما حملته الأنباء من احتمال توقيع اتفاق حول الملف النووي الإيراني, بين الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة, وبين إيران من جهة أخرى, في جنيف في العشرين من نوفمبر الحالي. هو متضايق أيضاً, كذلك أعضاء حكومته الفاشية من إمكانية تخفيف العقوبات على إيران، بل هم يسعون إلى زيادتها. يبتزون في ذلك حلفاءهم وأصدقاءهم في الكونجرس الأميركي للضغط على الإدارة الأميركية, لاتخاذ مواقف متوائمة مع وجهة النظر الإسرائيلية. في سبيل ذلك حاول وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت الذي يزور واشنطن: إقناع أعضاء الكونجرس بالتصدي لمشروع تخفيف العقوبات على إيران, وهو ما تريده إدارة أوباما.
صفاقة إسرائيلية ليس لها مثيل تجاه حليفتها العضوية والاستراتيجية. نتنياهو وحكومته والشارع الإسرائيلي بشكل عام يفضّلون توجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الإيراني. لا تهمهم الحرب ولا تداعياتها ولا نتائجها الباهظة, ولا تكاليفها الأخرى: الاقتصادية التدميرية, والبشرية أيضاً. أصحاب الرؤوس الحامية في تل أبيب يؤمنون بأن القوة هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الخصم. من جانب ثانٍ فإن العديدين من المحللين السياسيين والمراقبين وغيرهم يضخمون حالة الخلاف الثانوي بين إسرائيل وأميركا، ويصورونها بـ”الأزمة الخطيرة” في العلاقات بين البلدين. واقع الأمر أن هذه القضية الخلافية الثانوية, لن تصل إلى مرحلة التناقض الاستراتيجي. إنها اختلاف على ممارسة التكتيك السياسي ليس إلا. فواشنطن ليست بصدد بدء حرب جديدة في الشرق الأوسط, لا تعرف نتائجها ولا تستطيع تحديد تداعياتها، بسبب أزمة اقتصادية تعيشها, نتيجة حربيها في العراق وأفغانستان. حتى وإن صادق مجلس الشيوخ الأميركي على ميزانية أميركا للعام 2014 بعد تعنت وبعد خسارات اقتصادية أميركية كبيرة،لكن الخلافات ما زالت جادة وشديدة بين إدارة أوباما من الحزب الديمقراطي, وبين الشيوخ والنواب من الحزب الجمهوري. خلافات على برنامج الإدارة الأميركية, وتناقضات على أوجه تحديد أقسام هذه الميزانية. تدرك الإدارة الأميركية التكاليف الباهظة لأية حرب جديدة تُشعلها في المنطقة.
واشنطن تحاول إيصال هذه الرسالة إلى حليفها الإسرائيلي, من خلال تصريحات لعدد من المسؤولين الأميركيين, منهم السفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو, الذي حاول طمأنة الإسرائيليين من احتمال الوصول إلى اتفاق مع إيران، وبأن ذلك لن يؤثر على الالتزام الأميركي المطلق بحماية أمن إسرائيل. في نفس السياق تأتي تصريحات وزير الخارجية جون كيري, الذي يستغرب انتقاد نتنياهو للاتفاق, الذي يجري بحثه في جنيف! رغم ذلك, كان كيري هدفاً للانتقادات الإسرائيلية, إلى الحد الذي وصلت فيه بعض التعليقات إلى مهاجمته تماماً, مثلما هوجم إسرائيلياً لتصريح قاله أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة, عندما ربط بين فشل المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل, وبين قيام انتفاضة فلسطينية جديدة.
لقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز عن انتقاداته لرئيس وأعضاء حكومته الإسرائيلية في تصريح له (الخميس 14 نوفمبر الحالي) قائلاً:” إذا كانت لدينا خلافات مع الولايات المتحدة, فيجب أن نعبّر عنها, لكن علينا أن نتذكر أيضاً: أنه إذا كنا نعرف أموراً فإن الأميركيين يعرفون ذلك أيضاً”. وحول القضية الفلسطينية قال بيريز أيضا:” إن إدارة أوباما لم ترفض أبداً أي طلب وجهته إسرائيل لها، علينا أيضاً إدراك هذا. أميركا عارضت بشكل رئيسي التحرك للاعتراف بفلسطين دولة في الأمم المتحدة”. من جانبه حاول كيري تلطيف الأجواء مع إسرائيل (رغم الانتقادات الكثيرة له فيها) من خلال القول:” إن مشروع اتفاق مع إيران سيحمي إسرائيل بشكل أكثر فاعلية”. للعلم فإن توقيع الاتفاق مع إيران ليس أكيداً فقد صرّح مسؤول أميركي كبير(الجمعة 15 نوفمبر) قائلاً:” إن الاتفاق مع إيران ممكن الحدوث في جنيف، لكنني لست متأكداً أننا سنتوصل إلى اتفاق فأعتقد أن بعض الملفات الشائكة ما تزال موضع تفاوض”. بالفعل: ما زالت ايران متمسكة بحقوقها النووية وما زال الغرب يساومها على ذلك.
لقد أكدّت إيران مراراً حقها في استعمال البرنامج النووي للأهداف السلمية, وهذا ما طرحه مراراً الرئيس الجديد روحاني. كما أكدت إيران على عدم نيتها إنتاج أسلحة نووية، وحتى يتأكد المجتمع الدولي من هذا الأمر وافقت طهران على فتح كافة منشآتها النووية للتفتيش الدولي. ما الذي تريده تل أبيب أكثر من ذلك؟ إن العديد من دول العالم تستغل الوسائل النووية للأغراض السلمية, ولا يثار حول ذلك ضجّة، فلماذا تُقام حول إيران؟. الذي لم يوقع الاتفاق النووي للوكالة الدولية للطاقة الذرية هي: إسرائيل, وهي ترفض فتح منشآتها النووية أمام التفتيش الدولي. لذلك فالأولى توجيه العقوبات إلى تل أبيب وليس إلى طهران! الخبراء العسكريون في دول عديدة من العالم بمن فيها أميركيون متيقنون من أنه لدى إسرائيل ما يزيد على 400 رأس نووي. وهذا ما أكده أيضاً الخبير الإسرائيلي فعنونو الذي عمل لسنوات طويلة في المفاعل النووي الإسرائيلي في النقب. صرّح بذلك منذ ما ينوف عن العقدين, وقد كان حينها خارج إسرائيل. اختطفته الأخيرة من روما وأدانته المحكمة الإسرائيلية وحكمت عليه بالسجن لاثنتي عشرة عاماً, وبعد قضائها حاول السفر إلى الخارج لكن, إسرائيل منعته من السفر ولايزال ممنوعاً حتى هذه اللحظة.
إسرائيل تتصرف مع ولية نعمتها, وكأنها الدولة العظمى, وأميركا بين يديها :دولة صغيرة لا حيلة لها !التي تعامت عن هذه الحقيقة الولايات المتحدة التي عوّدت إسرائيل على ابتزازها بكل وقاحة. يبقى القول إن إسرائيل وأميركا حليفتان لن يُضعف هذا الخلاف أو ذاك من متانة التحالف الاستراتيجي – العضوي بينهما.
د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني