عندما يلتقي وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان سيرجى شويجو، وسيرجى لافروف، مع وزير دفاع مصر عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وفي نظام دولي، يكاد يكون، فيما يتعلق بمنطقتنا، ثنائي القطبية، فإن السؤال سيخطر على البال: هل يعيد التاريخ نفسه هذه الأيام؟ فشبيه بهذا حدث سنة/1954 حين كسر عبد الناصر احتكار الولايات المتحدة للسلاح في منطقة الشرق الأوسط، فيما أطلق عليه، آنذاك، بصفقة السلاح التشيكي.
كانت واشنطن، وبضغط من اللوبي الصهيوني، ومن قبل إسرائيل وأصدقائها، قد رفضت، حينذاك، الاستجابة لطلب عبد الناصر تزويد مصر بأسلحة رآها ضرورية لتحديث قواتها المسلحة وتمكينها من القيام بواجبها في حماية أمن مصر ومصالحها؛ واشترطت لقبولها طلبه، موافقته على شروط اعتبرتها قيادته مُحِطّة بقدر مصر ودورها ومتطلبات أمنها.
رفض عبد الناصر الابتزاز، فتوجه إلى روسيا، القطب الثاني في النظام الدولي ثنائي القطبية، لتصبح مصر والشرق الأوسط، كله، ساحة ساخنة من ساحات الحرب الباردة.
ومما سهل لمصر المهمة، يومها، استعداد موسكو لتقديم ما تحتاجه من اسلحة مجانا؛ فانحياز مصر لجبهتها في اصطفافات الحرب الباردة، سيكون، بتقديرها، أشبه بحرب ينتصر فيها السوفييت من غير أن يخسروا سوى ثمن السلاح الذي يقدمونه لحلفائهم الجدد
وفي صيف 2013، عادت واشنطن لترفض، هذه المرة، ما كانت قد التزمت به منذ نيف و30 عاما بتزويد مصر، سنويا، بمساعدات عسكرية محددة؛ كما خفضت مساعداتها المالية المتفق عليها، أيضا، وجعلت التزامها باتفاقهما مشروطا بشروط لا تمكن مصر من تنفيذ خارطة الطريق التي اعتمدتها ثورة 3 تموز 2013؛ بل إنها تضعفها أمام التنظيم المصري والدولي للإخوان المسلمين الذين فقد نظامهم شرعيته عندما سحبها شعب مصر في 30 حزيران من نفس العام.
وبدا الأمر، في الحالتين المتكررتين، كما لو أن حلف واشنطن مع الإخوان المسلمين حلف استراتيجي ثابت، لا يتغير، وقف ذات الموقف من مصر في ثورتيها سنتي 2013، و1954. وكان على مصر أن ترفضه، اليوم، كما رفضته، آنذاك، وأن تبحث لنفسها عن مخرج جديد.
وفعلت مصر. ولكنها تفعله، الآن، في ظروف سياسة دولية متغيرة تماما. فليست هناك حرب باردة؛ ولا النظام الدولي العام ثنائي القطبية؛ بل هو في الواقع الدولي، نظام متعدد الأقطاب؛ كما أن واشنطن ليست بصدد البحث عن حروب. فقد تعبت مما لحق بها في افغانستان والعراق؛ ولم تعد قادرة على تحمل الأعباء المالية لحرب جديدة، في ظروف مديونيتها للعالم بنسبة 107% من حجم اقتصادها الوطني؛ كما أنها مطمئنة إلى أن إسرائيل صارت أقوى من كل الدول العربية مجتمعة، فلماذا التعب!!
أما حلفاؤها فليتدبروا أمرهم. لم تعد تهمها مصالحهم. ولذلك لم يعودوا يكترثون. لقد رفضت السعودية سياستها في مجلس الأمن فتعالت على عضويته وتركته؛ كما لم يعجبها تحالفها مع الإخوان المسلمين، فوقفت بجانب مصر تمدها بالمال، إذا احتاجت إليه لدعم خزانتها، أو لشراء السلاح الذي تريد من أية جهة كانت.
نحن نعيش شروطا دولية جديدة، تركت فيها دولنا، بشكل خاص، لتدبر أمرها في نظام يتميز بالصراع من أجل البقاء الذي لا ينجو منه غير الأصلح.