عروبة الإخباري – في عمله الجديد «على الخشب» الذي قدمه أول من أمس على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي كعرض افتتاحي للدورة العشرين لمهرجان المسرح الأردني، برز زيد خليل سمات النضوج، في التعامل مع الفرجة، وترك بصمة شخصية بمقترحات إخراجية في إنشاء الفضاء الدلالي للعرض.
جاءت المسرحية في البناء السطحي للعرض، حكايات تسردها أربع شخوص، كأحد المرتكزات الأساسية في نشوء البنية المسرحية الفرجوية، والتي تعمقها مسألة تصميم هذه الشخوص على الخشبة، واستطاعت رؤية خليل ليس جعل شخوصه (الأب) عبد الكامل الخلايلة، و(الإبنة) بيسان كمال خليل، و(الجدة) نهى سمارة، و(الإبن) زيد خليل، وشخوصا أخرى كان الممثلون يجسدوها، وإنما استطاعت هذه الرؤية أن تجعل من هذه الشخوص تعيش في الفضاء المسرحي، كحامل للمعاني والرسائل لهذه المسرحية حتى انتهاء الفعل فيها.
الجديد في مقترحاته الإخراجية في النص المرئي والسمعي، عبر الإشتغال أساسا على فكرة الكاتب البلجيكي موريس ماترلينك، حول مسألة الموت ومعنى الحياة، ومن ثم تقديم نصا آخر، تضمن تصميم الشخوص، والدخول في معاني، تعد جديدة في تناولها محليا مفادة من الشريعة الإسلامية، في الإفادة من (البرزخ) يجيء كفضاء بعد الموت، ظهر حقلا من العلامات السيميائية، كان اشتغال الرؤية الإخراجية على إنشائه طيلة العرض.
الممثلون كانوا جميعا بارعين، أخلصوا كامل جهدهم للتصميم المناسب لشخوص هذه المسرحية متخلين عن أنماطهم المعهودة عن كل منهم سواء لجهة الصوت والحركة، فاستطاعو، وبمشاركة الفرقة الغنائية والموسيقية، التي تموضعت خلف بؤرة المسرح، وجماليات السينغرافيا، وبواسطة أنساق الأداء المتعددة لديهم فعلاً داخلياً، ولغة جسد، ونبرات ومقاطع صوتية، وحركة خارجية، من إنشاء وتوليد الدلالة التي أسهمت بقوة في إنشاء فضاء البرزخ.
الموسيقى، التي ألفها ووزعها مراد دمرجيان، شاركت في العرض كلغة عمقت بقوة من اداء لغة الجسد الصامته لجهة التعبير عن مشاعر هذه الشخوص المتفجرة قهرا بفعل وطأة القوانين السياسية والاجتماعية السائدتين، وبالتالي دعم الصورة الإيقاعية، وإنشاء (الجو العام) للعرض، أما السينغرافيا، التي صمم ديكورها وإكسسواراتها محمد السوالقة، ظهرت جمالياتها عبر تصميم أزياء ملابس الشخوص الأربعة، وأعضاء الفرقة الغنائية والموسيقية، التي نفذها علي دويدار.
أسهم البناء الصوتي للمسرحية، وبخاصة الفرقة الغنائية والموسيقية، بقوة التمهيد، والمشاركة في الفعل، وإضفاء التنوع على الإيقاع للخروج من حالة شعورية إلى أخرى: فهجت الجمل الغنائية، التي ألفها مهدي الشيخ)؛ التمايز الطبقي، والسياسي (البرزخ تتلاشى المقامات)، وغياب القمع الأمني (فدخلنا البرزخ صرنا نشوف لا فيي كرباج ولا سيوف باصوات الحق نشوف)، وكذلك (لا في ازعاج ولا هدوء ولا عتمة ولا ضوءن ولا راعي غنمة يسوق ولا مخبر ولا خازوق)، وحضور ميزان العدل (بجمال الخالق في جنة وبجمال الخالق في نار).
النص الدرامي الذي طرحته الشخوص كان بسيطا، لكنه عميقا متماهيا مع حوارات مختلف أشكال الفرجة المسرحية ك حوار( آمن وأعمى) و(مفتح مرعوب) و(وتتساءل الشخوص لماذا لا يوجد (مفتح آمن)؟، وتتمنى (ويا ريت المفتح يشوف زرقة السماء بحس أعمى)، وتستمر الحوارات جبينة/ الطفل الذي ولد يضحك/ اللي رجله مسلوخة/ظريفة وإلى غير ذلك من الحوارات وفق تقنيات الموروث الشعبي.
ويضم الفريق الموسيقي كل من سامر أنور، وغالب خوري، وبسام حاطوم، ومحمد طه، وأيمن فريحات، وغدير سماوي، وأسماء أبو شقره، وحنين مضاعين، وعنودأمجد.
وزيد خليل يعد من المسرحيين الشباب، ليس في عمره الزمني، وإنما في قدرته على طرح المقترحات المسرحية المتسمة بالجدة لجهة المبنى والمعنى، عند إنشائه لشكل الفرجة المسرحية، وهو من الجيل الثالث في الحراك المسرحي الأردني.
تجيء تجربة زيد خليل المسرحية من حيث فضآتها قريبة جدا من الفرجة الشعبية الاحتفالية، سواء لجهة طرح جماليات تقنياتها، أو رسائلها ومعانيها، ثم أن هذه التجربة تجيء في هذا السياق، قوية ومتينة لجهة تأسيس بنائها في بداياتها، حيث أنهُ خاض بقوة تجارب فرجوية هامة وثرية ؛ متمثلة في مشاركته عدة أعمال مع خالد الطريفي ومحمد الضمور، وتجربة واحدة لغنام غنام.