الاشتباكات التي وقعت بين قوات الأمن السعودية والعمال الإثيوبيين في الرياض لم تكن مفاجئة، فهؤلاء العمال يأتون من بلاد تقبع تحت خط الفقر والفاقة ويعيشون حياة بائسة، ولذلك فهم مستعدون لفعل أي شيء من أجل البقاء في “أرض الذهب الأسود” حتى لو واجهوا السلطات و “السكان الأصليين”، فهي فرص لا تقدر بثمن، وبعضهم يبيع كل ما يملك أو يستدين من أجل “شراء تأشيرة”.
مشكلة العمالة الأجنبية في الخليج تبدأ من السياسات التي تحكم أوضاع العمالة “المستوردة”، وهي سياسات تحول العمالة الأجنبية إلى “قنبلة موقوتة” يمكن أن تنفجر في أي وقت، وما حدث في الرياض ليس أكثر من “بروفة” لما يمكن أن يحدث مستقبلا”، وما تشكله من “تهديد للأمن الوطني” للدول العربية الخليجية.
علينا أن نفرق بين نوعين من العمالة في الدول الخليجية وهي: العربية والعمالة غير العربية، وهذه الأخيرة تضم عمالا وموظفين من جميع أنحاء العالم، خاصة الدول الآسيوية، غالبيتهم من الهند وباكستان وبنغلاديش والفلبين ونيبال وسيريلانكا وإندونيسيا وأفغانستان، وهي تؤدي دورا جيدا في التنمية، خاصة في مشاريع البنية التحتية والخدمات، لكن هذه العمالة بلغت مستويات قياسية خطرة، فقد ذكرت دراسة حديثة أن دول الخليج تجاوزت نسبة تحديد سقف عدد العمالة الوافدة التي يجب أن لا تتجاوز نسبة 20 في المائة من إجمالي عدد السكان في كل دولة. وأكدت أن الإمارات تتصدر القائمة، إذ تتجاوز نسبة العمالة الوافدة فيها 80 في المائة من عدد السكان، ثم الكويت 63 في المائة، وعُمان 61 في المائة، والسعودية 30 في المائة.
من الناحية المالية بلغ إجمالي تحويلات العمالة الوافدة المقيمة في دول مجلس التعاون العام الماضي أكثر من 130 مليار دولار، وتشير الأرقام إلى أن العمال الأجانب حولوا في النصف الأول من هذا العام حوالي 86 مليار ريال، أما الدول المستفيدة من هذه التحويلات المالية فجاءت الهند في المقدمة، حيث بلغت تحويلات العمالة الهندية إلى بلادهم 29.7 مليار دولار وجاءت مصر ثانيا بنحو 6.9 مليار دولار، ثم باكستان بنحو 6.0 مليار دولار، ثم الفلبين بنحو 5.0 مليار دولار، ثم بنغلاديش بنحو 3.1 مليارات دولار، ثم سري لانكا بحوالي 2.7 مليار دولار، ثم نيبال بنحو 1.9 مليار دولار، ثم جاءت اليمن في المرتبة الثامنة بنحو 1.2 مليار دولار، ثم الأردن بحوالي 962 مليون دولار.
أيا كانت الأسباب التي تدفع إلى تفضيل “الآسيوي أو الإفريقي” على العامل العربي، فإن هذه العمالة الأجنبية تشكل عبئا اقتصاديا وأمنيا وثقافيا وديمغرافيا وسياسيا، وتترك آثارا سلبية على اللغة العربية والعادات والتقاليد، وقد ثبت هذا عندما حاولت السلطات السعودية ترحيل العمال غير القانونيين الذين لم يترددوا بالنزول إلى الشوارع والاشتباك مع الأمن. مما يدق جرس الإنذار على أن عدد هؤلاء العمال أكثر بكثير مما ينبغي، ولا بد الاعتماد على العمالة المحلية أولا والعربية ثانيا.. والأجنبية عاشرا، فالعامل العربي يشكل جزءا من المنظومة الاجتماعية والثقافية والدينية والاقتصادية للمجتمع، في حين لا يمكن أن يتحول الأجنبي إلى جزء أصيل من المجتمع العربي الخليجي، يا حكومات الدول العربية الخليجية: ما حك جلدك مثل ظفرك.. عليكم بالعمالة العربية فهي أكثر مهارة واتقانا وأكثر أمنا للمجتمع من العمالة الأجنبية.. وهم أمانة في أعناقكم فإذا لم يجد الشاب العربي في وطنه العربي أين يذهب؟.. إلى البحر الأبيض المتوسط الذي تحول إلى مقبرة لشبابنا الذين يركبون أمواج الموت.