عبدالله اسكندر/«الإخوان» خسروا قضيتهم

يعاني الدفاع عن قضية «الإخوان المسلمين» في مصر عطباً جوهرياً، في التعامل مع الوضع الناجم عن عزل القيادي فيها محمد مرسي عن الرئاسة وتولي الجيش ادارة خريطة طريق سياسية تستبعد الجماعة نفسها منها.
ربطت الجماعة استبعادها من السلطة بمسألة الديموقراطية والحرية، عبر اتهام السلطة الانتقالية بأنها انقلابية ومتسلطة وقمعية. واعتبرت ان مناخ الربيع العربي الذي مال فترة الى التنديد بالديكتاتورية سيجعل الشعب والغرب المدافع عن الديموقراطية يهب لنجدة «الإخوان» المضطهدين والمظلومين والمقموعين على أيدي حكم عسكري متسلط. واستناداً الى هذا الحساب توقعت الجماعة ان تحشد الملايين في الشوارع المصرية دعماً لها وان تطلق حركة واسعة في العالم تضامناً معها وان تتحرك العواصم الفاعلة في اجراءات عقابية لـ «مغتصبي» السلطة من الرئيس المنتخب.
لكن شيئاً من كل هذه التوقعات لم يحصل. وباستثناء التخبط في سياسة الولايات المتحدة، والمرتبط بغياب الرؤية والاستراتيجية لدى ادارة الرئيس باراك اوباما، لم يعتبر أحد في العالم ان ما تشهده مصر انقلاب عسكري على سلطة ديموقراطية.
السبب في عدم تصديق رواية «الإخوان»، سواء في الداخل المصري أو في العواصم الدولية، هو ان الجماعة لم تكن يوماً نموذجاً ديموقراطياً يمكن الدفاع عنه. فتنظيم «الإخوان» في ذاته، تنظيم هرمي حديدي لا يتيح أي اجتهاد أو وجهات نظر مغايرة لما يقوله المرشد، ولا يتيح أي تجديد أو نقد ذاتي. فهو تنظيم مغلق بفعل تركيبته وليس فقط بفعل اضطراره الى العمل السري. كما يدافع «الإخوان» عن ايديولوجيا كلية تختصر في ذاتها كل تنويعات الحياة.
أي ان جماعة «الإخوان المسلمين» لم تجذب الى صفوفها أي مدافع عن الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان، وإن دافعت منظمات حقوقية عن اعضائها الذين تعرضوا للاضطهاد بفعل قوانين استثنتائية ولمجرد كونهم يعبّرون عن وجهة نظر سياسية معارضة. وتعاملت قيادة الجماعة، خلال التاريخ الطويل للتنظيم، بالنبذ لأي محاولة تجديد. وتجربة حزب الوسط الذي اطلقته قيادات شابة من «الإخوان» ليكون منصة اصلاحية تعبّر خير تعبير عن التسلط الايديولوجي الذي تمارسه قيادة الجماعة.
وجاءت التجربة السياسية العلنية، مع انتخاب مرسي رئيساً، لتتأكد هذه الصورة لـ «الإخوان»، كتنظيم استئثاري وكلي، ذي ميول فاشية. وبدا تولي الجماعة للسلطة تهديداً حقيقياً للتعددية والحريات العامة، وبداية قوننة للتسلط والقمع، عبر سلسلة اعلانات رئاسية استهدفت اخضاع مؤسسات الدولة للرئيس المنتخب، لكن الملتزم واجب الطاعة للمرشد غير المنتخب وأعضاء مكتبه غير المنتخبين في اقتراع شعبي عام.
في هذا المعنى، كانت الشكوى من تهديد الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان في مصر تطاول «الإخوان». وهذه الشكوى بالضبط كانت وراء التبرير الذي قدمته قيادة الجيش من أجل عزل مرسي ووضع خريطة الطريق لعودة الامور الى طبيعتها.
وعندما تحركت القوى المصرية في الشارع للاعتراض على النهج «الإخواني» والمطالبة بالتزام المطالب الشعبية التي رفعت في وجه حكم الرئيس السابق حسني مبارك، اعتبرت جماعة «الإخوان» ان هذا التحرك يستهدف سلطتها. فأطلقت شرارة عنف عبر استخدام ميليشياتها لقمع المحتجين والمتظاهرين. وبعد إطاحة مرسي، ارتبط اسمها بموجة الارهاب التي انتشرت، خصوصاً في سيناء.
وفي كل هذه التجارب الحافلة لم يسمع صوت من الجماعة يعيد قراءة ما حصل. لا بل تمسك قياديوها والناطقون باسمها بالنهج نفسه الذي أوصل الامور الى ما وصلت اليه… هكذا خسرت جماعة «الإخوان» معركة الربط بين قضيتها وبين الديموقراطية والحريات.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات