سمير الحجاوي/القاعدة تتمزق

مع رفض أبو بكر البغدادي أمير ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” إعلان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلغاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام واستمرار العمل بدولة العراق الإسلامية ضمن حدود العراق، وجبهة النصرة لأهل الشام في حدودها بسوريا، يدخل تنظيم القاعدة رسميا في أول حالة تمرد كبيرة، وأول مرحلة من مراحل التمزق المعنوي بعد التمزق المادي الذي اصاب التنظيم، مما ينذر ببداية مرحلة أفول التنظيم من جهة، أو تحوله في أحسن الأحوال إلى تنظيمات محلية، تعمل ذاتيا بدون مرجعية، وفي أسوأ الأحوال تحول هذه المجموعات إلى “عصابات” بلا هدف حقيقي، أو أدوات في أيدي هذه الدولة أو تلك.

إقدام الظواهري على إلغاء “داعش” خطوة محفوفة بالمخاطر، لأنه يعلم أن ردة فعل البغدادي ستكون عنيفة أكثر من ردة الفعل عندما ألغى التنظيم للمرة الأولى قبل 5 شهور، مما يضع الظواهري أمام تحدي اثبات زعامته للتنظيم وقدرته على المحافظة عليه متماسكا، وهو الأمر الذي يبدو صعبا أو غير ممكن بعد رفض البغدادي لقرار الظواهري.

وبالعودة إلى الجذور نجد أن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” إلى الوجود في التاسع من أبريل الماضي في رسالة صوتية اذاعها البغدادي، أعلن خلالها دمج “جبهة النصرة في سوريا مع الدولة الإسلامية في العراق، الأمر الذي رفضته “جبهة النصرة لأهل الشام” في اليوم التالي، وأعلنت ولاءها لزعيم تنظيم القاعدة، على لسان قائدها محمد الجولاني، علما بأن “جبهة النصرة” أسست في أواخر عام 2011 هي الذراع القتالي لتنظيم القاعدة في سوريا، وتعتبر أقوى الفصائل المسلحة وأشرسها.

بعد شهرين، وتحديدا في التاسع من يونيو 2013، أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري حلّ “دولة العراق والشام الإسلامية” مع بقاء كل من “جبهة النصرة” و”دولة العراق الإسلامية” على حالهما، وتكليف أبي خالد السوري لحلّ الخلافات بين الجناحين، ودعاهما إلى التوقف عن أي “اعتداء” بينهما، وانتقد إقدام البغدادي على إعلان الوحدة دون استشارة، كما انتقد رفض الجولاني دون أخذ رأيه، وهو ما كرره مرة أخرى مؤكدا على أن “جبهة النصرة” هي ذراع تنظيم القاعدة الحصري في سوريا.

تنظيم “داعش” تحول إلى كيان غير شرعي من وجهة نظر تنظيم القاعدة بزعامة الظواهري، ومجموعة خارجة على القيادة وتحولها إلى “مجموعة متمردة” لا يعرف ما هي أهدافها ومن يديرها فعلا، وما مدى الاختراق الأمني في هذا التنظيم المتمرد، بل ذهب البعض إلى وجود أيد إيرانية تحرك “داعش”.

البغدادي سبق أن اتهم “الظواهري” بأنه من “القاعدين والمتخاذلين وأصحاب الهواء العاجزة أبصارهم” وقال” ما تلبث الأيام أن تنجلي عن بصر ثاقب في الرؤية على المدى البعيد عجزت أبصار القاعدين وأصحاب الأهواء والمتخاذلين عن إدراكها، فيعود المنكِر إن لم يكن متعالياً مقراً ويعود المعترض موافقاً والذامّ مباركاً”، وهو تحد يطالب فيه الظواهري بالرضوخ لقراره وكأنه هو الزعيم والأستاذ والظواهري هو التابع والتلميذ. وربما الخطوة المقبلة تكون طلب الظواهري من كل فروع القاعدة المفترضة في العالم إلى اصدار بيانات ترفع الشرعية عن “داعش” وتخرجها من الجسم التنظيمي للقاعدة إذا رفض البغدادي الامتثال لقرارات “الزعيم”.

تنظيم القاعدة “يحتضر” من الناحية العملية، بعد غياب “الأسمنت المسلح” الذي كان يحافظ على تماسك التنظيم هو أسامة بن لادن، ويفرض سيطرته على الجميع، حيث اختفت الزعامة الكاريزمية بعد اغتياله إذا ثبت أن الدكتور الظواهري لا يمتلكها رغم شراكته الطويلة في قيادة القاعدة، وهذا يعني أن المرحلة المقبلة للتنظيم هي الدخول في “التفتت”، وهي مرحلة قد تكون أخطر مما سبقها.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري