عندما ننام على غيض واحباط يحاول التسلل الى عقولنا، وفي يوم جديد نستيقظ.. ننفض غبار الامس، وبتفاؤل نسير في مناكبها كما قال القدماء، ننظر من حولنا نتلمس الافضل ولا نلتفت كثيرا الى الوراء، فالتركة ثقيلة في كافة مناحي الحياة، في السابق شهدنا ملمات كثرا وتحديات كبارا، الا ان التعاون وتدبر سبل العيش كان ايسر، فالحياة الجديدة المعقدة مثقلة بمتطلبات لم تكن في سلة استهلاكنا كل هذا التنوع الذي تحول من ترف الى ضرورة، اما الديمقراطية التي استغرقت عقودا طوال في دول العالم نحلم ان تنجز في فترة قصيرة، ويصدمنا هذا الحلم بعوائق طبيعية تارة ومصطنعة تارة اخرى، الا ان افضل ما قيل جملة للدكتور عمر الرزاز رئيس مجلس الأمناء في صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية امس في الدستور …ان التحول عملية مستمرة، وان الاحباط شكل من اشكال الانتحار.
وخلال السنوات الثلاث الماضية تشاركت الاطياف الاردنية عامة بالنظر الى الوراء كثيرا والتطلع الى مستقبل بعيد، واغفلت الحلقة المركزية والمهمة وهي الواقع الراهن، وكيف نعبر معا المرحلة بما لها وما عليها من فرص وتحديات، ونستفيد من الماضي، لبناء مستقبل افضل لنا وللاجيال القادمة، فالديمقراطية ليس فقط الاستماع للآخر واحترام رأيه، فالديمقراطية نهج عمل وممارسة مسؤولة في السياسة والاقتصاد والتعليم وكافة مناحى حياتنا، وهنا يجدر الاشارة الى ان الاردن مارس الديمقراطية واحترام الآخر منذ عقود، ويبدو ان العصرنة وتعرضنا وغيرنا من شعوب المنطقة لاجتياح ثقافي واقتصادي واجتماعي وسياسي، وادى هذا الاجتياح الى إضاعة البوصلة، فالتعددية اصبحت شرذمة، ومطالبات تحسين الاوضاع اصبحت تعطيلا لعمل المنشآت، والتعبير عن الرأي والتحول اصبح قدحا وتطاولا، ومحاولة النيل من هيبة الدولة، هذه الهيبة تمس كافة المواطنين.
التحول.. بعد ان انشغلنا عن العمل مدة تسعة عقود ونيف من عمر الدولة الاردنية الحديثة التي بنيت على منظومة قيم اقتصادية ريعية المسؤول عنها الدولة بمؤسساتها، واصبح معظم المواطنين في موقع متلقي الوظائف والاعطيات اولا والعمل ثانيا، ومع تناقص قدرات الخزينة والحكومات على لعبة الدور الرعوية، برزت مطالبات محقة وضرورية لبناء منظومة قيم اقتصادية انتاجية، وهذه المنظومة لها ممارساتها وقوانينها، وهنا فان بناء منظومة قيم اقتصادية انتاجية يمكن ان تحدث التحول الديمقراطي بالمعاني الشاملة بالاعتماد على الانتاجية وتعظيم القيمة المضافة والتي يجني ثمارها المجتمع بكافة افراده بشكل او بآخر.
عندها سنتوقف الحديث عن الديمقراطية لانها ستصبح نمطا حياتيا اعتياديا، ونتنافس على تجويد العمل وعلى المستهلكين واسواق التصدير، اما الاعتماد على الذات ستصبح في قواميس قديمة، اما التعليم والصحة تصبح حقا متاحا لمن يطلبه وفق مظلة شاملة…هذه الاحلام الوردية حققتها شعوب ودول اكبر او اصغر مساحة وسكانا من الاردن، واقل او اكثر موارد خلال عقود قليلة…فالعامل الحاسم كان الانسان.. باني الحضارات والديمقراطية والتنمية.. وهو هدفها.