إصلاح العلاقات المتردية بين السعودية واميركا بعد سبعين عاماً من التحالف الوثيق بينهما، وهو الضروري على الصعد العربية والاقليمية والدولية، يحتاج الى اكثر من حفنة من الكلمات المنمقة سبق ان سمعها الأمير سعود الفيصل ولمدة ساعتين من نظيره الاميركي جون كيري عندما التقيا في لندن الاثنين الماضي.
القصة ليست قصة عواطف او تذكير بتاريخ من التفاهم الحميم بين البلدين، انها قصة سياسات او بالاحرى قصة انقلاب اميركي متهور ومفاجىء سيؤذي اميركا بالتالي، اكثر مما يؤذي السعودية التي يرفع فيها خادم الحرمين الشريفين شعار: “كلمتنا كلمة” في تأكيد قاطع لثبات السياسات والتحالفات. ولهذا لست ادري ما اذا كان كيري سيتذكر وهو في طريقه الى الرياض ذلك المسلسل من المواقف الاميركية الكارثية في الاعوام الثلاثة الماضية، والتي يمكن اختصارها بثلاثة اسئلة:
ماذا فعلت واشنطن في تعاملها مع المذبحة السورية المرعبة، وفي مقاربتها المسألة النووية الايرانية الخادعة، وفي تعاميها عن القضية الفلسطينية الفاضحة، غير انها حققت فضائح تاريخية بكل المقاييس؟
أولاً: بينما كان بشار الاسد يمضي في تدمير سوريا وقتل اكثر من مئة الف سوري وبالكيميائي، كان باراك اوباما، في المقابل، يمضي في تدمير هيبة اميركا والامم المتحدة، وفي قتل الشرعية الدولية عبر صمته وتغاضيه، لينتهي لاجئاً في احضان بوتين لأنه زعم التهديد بضربة عقابية للكيميائي ثم أسرع الى الاختباء وراء الكونغرس وهو يعلم جيداً انه سيرفض طلبه!
ثانياً: بعد سبع سنوات من المماحكة النووية مع ايران التي تصفه بالشيطان الاكبر، قرر اوباما فجأة ان يتسوّل حديثاً هاتفياً مع حسن روحاني، وان يتعجل فتح صفحة دافئة مع طهران التي شكّلت وتشكّل تهديداً سافراً لاميركا وحلفائها في الخليج وخصوصاً السعودية حليفتها التاريخية، وهو ما يمكن ان يساوي سياسياً تكريس ايران امبراطورية اقليمية، في حين تتراجع اميركا من موقع الامبراطورية الى مستوى دولة انتهازية تكاد تقبّل اليد الايرانية التي تصفعها!
ثالثاً: هل يتذكر اوباما كل اكاذيبه عن قيام الدولة الفلسطينية، وهل يستعيد مزاعمه الواهمة في خطابه الاول في القاهرة، وهل يعي انه يطبق عملياً سياسات بنيامين نتنياهو؟
في ثلاثة اعوام نسف اوباما كل قيم اميركا وألحق الخيبة بحلفائها التاريخيين وفي مقدمهم السعودية، فماذا سيقول كيري غداً لخادم الحرمين الشريفين؟ ان تأكيده للطبيعة الاستراتيجية للعلاقات مع السعودية ولأهمية العمل المشترك بينهما لمواجهة التحديات المشتركة، ليس مجرد كلمات ديبلوماسية، بل هو قرارات وسياسات وعمل ملموس، ومن شأن هذا اقناع الرياض بعدم إجراء تغيير كبير في العلاقات بين البلدين، كما ابلغ الامير بندر الديبلوماسيين الاوروبيين!