ليست القصة قصة علاقة طرأ عليها الاضطراب بين اميركا والسعودية، انها قصة علاقة اميركية مع دول الخليج التي طالما اعتبرتها واشنطن “منطقة حيوية للأمن القومي الاميركي”، وستصيبها بالتأكيد عدوى هذا الاضطراب.
على هذا الاساس يعتبر “المؤتمر الخليجي الاستراتيجي” الذي يعقد اليوم في المنامة، ويضم نخبة من ابرز السياسيين على المستوى الخليجي والعربي والدولي، مناسبة مهمة جداً لتقويم الاتجاهات التي تعصف بالعلاقات الاميركية – الخليجية، كنتيجة حتمية للإستدارة في سياسات اميركا الاقليمية، سواء لجهة انفتاحها المتهافت على ايران، او لجهة التهديدات الايرانية السافرة لدول الاقليم التي لا تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، اولجهة التعامي عن المذابح الكيميائية التي يرتكبها النظام السوري في حق شعبه والتي لم تتردد اميركا في ابتلاعها ومكافأته لمجرد موافقته على تسليم ترسانته!
يشارك في المؤتمر 35 متحدثاً في حضور 350 مدعواً من اصحاب الاختصاص وسيركز على موضوع ملحّ هو “خيارات الشراكة الاستراتيجية امام دول الخليج العربي” في ضوء الواقع المستجد والشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج والولايات المتحدة، ليخلص الى وضع القواعد وتحديد الأسس الضرورية لبناء نظام اقليمي جديد، يأخذ في الإعتبار المعطى الاقليمي وخصوصاً العلاقة مع تركيا .
وفي ضوء الاتجاهات الجديدة التي رسمها الانفتاح الاميركي على طهران، من الطبيعي ان يطغى موضوع البرنامج النووي الايراني وما يرافقه من طموحات ايرانية الى لعب دور محوري اقليمي، على اهتمام المؤتمر الذي خصص لهذا الامر جلسة بعنوان “تحديات استراتيجية معاصرة” تتناول تحديات البرنامج النووي الايراني وتأثيراته على المنطقة، اضافة الى المخاطر وآليات المواجهة والتطورات الاستراتيجية في الشرق الاوسط وخيارات الردع.
واذا كان من المعروف ان السعودية تقف سداً في مواجهة التهديدات والتدخلات في دول الخليج حيث تتحرك اصابع طهران في البحرين والامارات والكويت واليمن ولبنان، فان المؤتمر المذكور يبدو ضرورياً اكثر من اي وقت مضى، وخصوصاً انه يأتي على حافة تحولات اقليمية ودولية حاسمة من اهم معالمها التوجه الاميركي المتزايد الى آسيا في ظل تراجع الحاجة الاميركية الى النفط بعد الاعتماد المتزايد على النفط الصخري، لكن هذا لا ينفي على الاطلاق الحاجة الاستراتيجية الاميركية الى استخدام نفط الخليج كسلاح ضاغط على الصين التي تعتمد عليه في شكل اساسي .
تتحدث الانباء الواردة من واشنطن عن سعي اميركي حثيث للحد من التوتر مع السعودية التي ترتبط معها بتحالف عمره 70 عاماً ونيفا، ولكن ذلك لن يلغي بالضرورة اهمية ارساء استراتيجية موحدة بين دول الخليج، التي تشكل بطبيعتها اسرة واحدة في الهموم والتحديات كما في الطموحات والمصالح، وهو ما دفع خادم الحرمين الشريفين دائماً الى الدعوة للإرتقاء من مستوى التعاون بين دول المجلس الخليجي الى مرتبة الوحدة الضرورية!