أحمد القديدي/انهيار الدولة وراء انتشار الإرهاب

الإرهاب ليس ظاهرة تونسية ولا مصرية ولا ليبية ولا إسلامية وفي الواقع ليست له جنسية ولا دين بل ليس له تاريخ محدد منذ أقدم العصور فكيف نصف حركات الحشاشين التي ازدهرت بين القرنين 11 و13 م واغتالت ملوكا وأمراء وتمكنت من البقاء على مدى أجيال وهي فرع متمرد وعدمي من الإسماعيلية النزارية ولم تنته أعمالها الإرهابية إلا مع تأسيس دولة قوية للظاهر بيبرس عام 1273م أي في نفس السنة التي انتهت فيها الحروب الصليبية (عام 1270 مات ملك الصليبيين القديس لويس ملك فرنسا والذي دفن في مكان موته في تونس) ولدى المسيحية حركات عنيفة ممتدة على كل القرون آخرها إرهاب الجيش الأيرلندي السري وحركات (الكو كلوكس كلان) في الولايات المتحدة وكذلك اليهودية التي أنشأت الصهيونية وعصابات شترن والإرغون وقام الإرهابيون الصهاينة في العصر الحديث بتفجير فندق ديفيد بالقدس على من فيه واغتيال ممثل الأمم المتحدة الكونت برنادوت وأقرب إلينا المجازر في غزة واغتيال القادة الفلسطينيين. ومثلها نجد لدى الهندوس والسيخ والبراهمان بل ولدى اللا دينيين والشيوعيين فلدى كل الأمم حركات اختارت أو اضطرت لممارسة القتل وما نسميه الإرهاب. مع العلم أن مصطلح الإرهاب وقع تحريفه عن مدلولاته كلما تدخلت مصالح الدول الكبرى وأجهزتها المخابراتية والإعلامية ففي مرحلة مقاومة الاستعمار البريطاني والفرنسي في العالم العربي تم تصنيف المسلمين المطالبين بحريتهم وبرحيل المحتلين كإرهابيين وسنت القوانين لقمعهم باسم مقاومة الإرهاب! وفي أوروبا لم يتم القضاء على الإرهاب إلا بواسطة دول قوية ديمقراطية متحدة فيما بينها ضمن الإتحاد الأوروبي ومؤسساته الاتحادية في مجالات الأمن والحدود وتبادل المعلومات فتخلصت بريطانيا من الجيش الأيرلندي السري وتخلصت إسبانيا من منظمة (الإيتا) المسلحة وتخلصت فرنسا من عصابات الباسك وعصابات الكورسيك الانفصالية بفضل مناعة مؤسساتها الدستورية وقوة الحراك الديمقراطي فيها أما الولايات المتحدة فلم تعرف السلام المدني وإلغاء الميز العنصري إلا بآليات الحكومة الفيدرالية التي فرضت على جميع الولايات نواميس الحكم المركزي الجامع منذ الرئيس دوايت إيزنهاور في أواخر الخمسينات. وأمامنا أيضا الأنموذج الهندي عندما أصبحت الهند بفضل مؤسساتها الديمقراطية من أكبر الدول الناهضة والسباقة إلى التفوق التكنولوجي بعد أن كانت الهند مرتعا للإرهاب السيخي والبوذي والهندوسي… و حتى المسيحي ولكن هذه القارة (لأنها بالفعل قارة) تمكنت من القضاء على الحركات العنيفة المسلحة ولم يبق أمامها اليوم إلا أن تحل معضلة كشمير بينها وبين باكستان. وفي نيجيريا ظلت عصابات التطرف المسيحي تواجه عصابات (بوكو حرام) بسبب هشاشة الدولة النيجيرية وعجزها وتعاقب الانقلابات العسكرية فيها.

لقد سقنا هذه النماذج من مختلف أرجاء العالم لنؤكد أن الإرهاب لا ينشأ ولا يترعرع إلا في مناخ تهرئة الدولة وضعفها وانقسام الطبقة السياسية إلى أحزاب كل حزب بما لديهم فرحون وهذا ما يقع اليوم في ليبيا وفي تونس حينما استقالت الدولة هنا وهناك وعاش الناس بلا مؤسسات تحميهم فانتشر السلاح لتمسك به أيد مختلفة المشارب والانتماءات فيأخذ كل طرف سياسي أو قبلي أو حزبي حقه بيديه متجاوزا القوانين والأعراف ويستشري الرعب في المجتمع ليتحول المواطنون إلى رهائن ويصبح الشارع هو الذي يتحكم في رقاب الناس من خلال الجرائم الإرهابية وقطع الطرقات وانتشار الجريمة وتكوين العصابات في غفلة من عين الدولة الساهرة. والسبب الأساس في كل من تونس وليبيا هو غياب الدولة رغم تباين النموذجين فليبيا لم تعرف دولة قانون ومؤسسات منذ 43 سنة من حكم العقيد ولم تتفق الأطراف التي أسهمت في القضاء على استبداد القذافي على طريق وفاق وحوار فتمترس كل فريق وراء السلاح والمال وهدد الوطن بالانقسام إلى كنتونات أو قبائل لكل منها دويلة ومحاكم وسجون وقوانين وزعماء حرب. وما اختطاف رئيس الحكومة علي زيدان منذ أيام سوى مؤشر ساطع على انهيار الدولة. أما في تونس فالدولة موجودة منذ الاستقلال رغم ما دب فيها في العهدين البورقيبي والنوفمبري من دود الفساد والارتجال والظلم لكن الثورة حينما هبت رياحها المباركة دون قيادات جاءت بنخب كانت في السجون والمنافي لكنها اختارت عن خطأ أن تنفرد بالحكم وتمارسه دون خبرة ودون وفاق ووجد الشعب بعد ثورته على الظلم أن مشاكله اليومية من أمن وغلاء معيشة تفاقمت وبالطبع شعر المواطن أنه استرد حرياته المسلوبة واسترجع حقوقه وكرامته المنهوبة إلا أن هشاشة الدولة وزعزعة أركانها طغت في النهاية على المكاسب الشعبية ولعبت القوى المضادة للثورة دورها الطبيعي في زرع الشك ثم اليأس وأخيرا العنف محل الأمن والطمأنينة والسلام المدني. وجاء الزلزال المصري ليعطي الطبقة الحاكمة شعورا بالخوف من نفس المصير رغم التناقض الكبير بين المجتمعين المصري والتونسي ثم جاءت الفوضى الليبية لتهدد وضعا تونسيا غير مستقر فدخلت آلاف قطع السلاح عبر حدود يمتد نصفها (175 كلم) من راس جدير إلى ذهبية امتدادا طبيعيا بلا أية عراقيل جغرافية في مناطق صحراوية مكشوفة يصعب بل يستحيل تأمينها بالمراقبة من الجانب التونسي بلا تعاون مع السلطات الليبية المفقودة حاليا. أضف إلى هذه الحالة العسيرة توقف مسار الإتحاد المغاربي الذي ولد ميتا عام 1989 ولم يحقق أيا من غاياته أو أهدافه فلا الجزائر تثق في المملكة المغربية ولا ليبيا توصلت اليوم إلى بناء دبلوماسية إقليمية فاعلة ولا تونس تأمن أخطارا محتملة تأتيها من الأجوار أو تصدرها هي إلى الأجوار. فغياب التنسيق المغاربي في مجال الأمن جعل الحركات العنيفة تجمع شتاتها منذ عمليات مالي وعين أميناس ويبدو أن بعض خلاياها استقرت في الجبال والقرى والمدن في كل من ليبيا والجزائر وتونس. الحلول المستعجلة هي سياسية بالدرجة الأولى حتى تكون الشعوب في المغرب الإسلامي على الأقل متفقة على تشخيص العلل قبل اقتراح العلاج.

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار