أرجو من القارئ العربي لهذه الزاوية ألا يسارع إلى إصدار أحكام بأني لا أعتبر الفلسطينيين عربا، وأني أفرق بين أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج على أساس عرقي أو حتى ديني أو مذهبي، ذلك ليس من طبعي ولا من ثقافتي، من هنا جاء عنوان زاويتي هذه ليقارن بين أو ضاع اللاجئين الفلسطينيين وغيرهم من اللاجئين العرب الذين أصابت أوطانهم محن وحروب أهلية ونزاعات مسلحة ومعارك طائفية.
(2)
أقدم حركة نزوح ولجوء لا إرادي في الوطن العربي في منتصف القرن العشرين المنصرم كان الفلسطينيون. في عام 1948 هيمن الصهاينة اليهود بقوة السلاح على مساحات شاسعة من فلسطين تحت حماية ومؤامرات بريطانية تمثلت بوعد بلفور الذي شرع لقيام كيان إسرائيلي في قلب الوطن العربي لأسباب متعددة أهمها عندي إخراج اليهود من بريطانيا وأوروبا بهدف إبعادهم عن المجتمع المسيحي الأوروبي، والسبب الثاني شق العالم العربي بين مشرق ومغرب، الأمر الذي لا يمكن أن تتحقق وحدة هذه الأمة ومن ذلك المحافظة على المصالح الغربية في هذه المنطقة المهمة من العالم.
شنت العصابات الصهيونية اليهودية جيدة التسليح والتدريب في تلك الفترة حربا وحشية استهدفت إبادة الإنسان الفلسطيني أو طرده إلى خارج الحدود. فرَّ الكثير من أبناء وأسر فلسطين نتيجة لتلك الحرب الوحشية إلى دول الجوار على أمل أن هذه الحرب ستضع أوزارها ويعود اللاجئون إلى وطنهم فلسطين، كانت ساحات اللجوء الأقطار المجاورة الأردن وسورية ولبنان ومصر والبعض لجأ إلى غزة والعراق. عانى الشعب الفلسطيني عذاب الهجرة وعذاب اللجوء وما برحوا يعانون حتى هذه الساعة كان أقلهم معاناة الذين لجأوا إلى سورية الحبيبة في تلك الحقبة من الزمان، لكنهم اليوم يعانون ذات القسوة وذات الظلم، فمخيماتهم تقصف بالمدفعية الثقيلة وغارات جوية وغير ذلك من الأسلحة الفتاكة. حالهم حال إخوانهم في مخيمات البؤس في لبنان الذين لم تسلم مخيماتهم من الاجتثاث والإبادة الجماعية، كما حدث في تل الزعتر في لبنان في سبعينيات القرن الماضي وكما فعل بهم سلاح الجو اللبناني في عهد سليمان فرنجية في غاراته على مخيمات صبرا وشاتيلا وغير ذلك من المخيمات. كان اللاجئون الفلسطينيون في العراق يتمتعون بذات الميزة التي كان إخوانهم في سورية يتمتعون بها من قبل، لكنهم اليوم يعانون أشد المعاناة، قتلا وترهيبا واغتصابا وملاحقة، كل ذلك حدث بعد احتلال العراق عام 2003 من قبل أمريكا وبريطانيا وتسليمهم العراق لحركات مسلحة طائفية حاقدة ثأرية لتاريخ سحيق لا ذنب لهذه الأجيال فيه، أعني من هو أولى بخلافة الرسول عليه السلام بعد وفاته أبو بكر أم علي بن أبي طالب.
كان المواطن الفلسطيني اللاجئ إلى مصر يتمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن المصري بما في ذلك أهل غزة إبان الحكم الوطني من عام 1952 وإلى عام 1970 وجاء نظام العمالة والخيانة في عهد السادات ليعاني الفلسطيني معاناة لا سابق لها في تاريخ مصر العزيزة وتوالت على الفلسطينيين كل عوامل الإذلال والتحقير والمس بكبرياء رجالهم ونسائهم دون سبب ارتكبوه حتى في ظل حكم الجنرال السيسي القائم الذي يحاول الإعلام المصري تشبيهه بالرئيس جمال عبد الناصر، لكن عبد الناصر لم يحاصر الفلسطينيين ويجوعهم داخل قطاع غزة كما يفعل حكام مصر اليوم.
(3)
ثاني لجوء يلحق بالإنسان العربي كان عام 1990 عقب اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت جفل الخلق من الكويت قيادة ومعظم الشعب، كانت اتجاهات اللجوء دول الجوار وهم الأهل والأقارب في دول الخليج والأغنياء من أهل الكويت آثروا التوجه إلى أوروبا أو مصر، كان لجوء الكويتيين من الظلم الذي لحق بهم وبوطنهم من قوة خارجية يختلف عن اللجوء الأول، أعني اللجوء الفلسطيني، سكن الكويتيون في أماكن تليق بهم، لم يدخلوا خيمة، ولم تقم معسكرات اللجوء كما حل بسابقيهم، لم تمس كرامتهم ولم تشوه سمعتهم ولم يمنع أو يستوقف أحد منهم على حدود الدول المجاورة، إنه كان لجوء “الخمس نجوم”.
(4)
اللجوء الثالث كان لجوء العراقيين عام 1991 و2003 هذا الشعب العربي الأصيل الذي أعطى عبر التاريخ للأمة العربية ما لم تعطه دول أو كيانات عربية من قبل ولا من بعد، شعب العراق الأبي كان في كل معارك العرب حاضرا وفي الصفوف الأولى دون الاستنجاد به، كانت جامعاته ومدارسه ومستشفياته مفتوحة لكل أبناء الأمة العربية دون تمييز ذلك هو العراق إلى أن جاء حكم الحاقدين الأوباش فأُجفل الشعب العراقي عن وطنه من قسوة الظلم وقهر الرجال والنساء ومن وحشية العدوان البريطاني الأمريكي الفارسي الصفوي، نصبت له معسكرات اللجوء على الحدود وسمح لبعض أغنياء العراق للدخول إلى مدن عربية ومنع الفقراء إلا من حالفة الحظ، والحق أن الأردن قد نال نصيبه من المجموعتين ــ الغنية والفقيرة ــ وكذلك سورية.
والحق أيضاً أن أنظمتنا العربية قصرت في حق الشعب العراقي الأبي وما نعانيه اليوم هو نتيجة لقهر العراق واحتلاله والعبث بخيراته وسيادته وهيمنة الحاقدين على مقدراته.
(5)
اللجوء الرابع هو لجوء المواطنين السوريين إلى دول الجوار الأردن ولبنان وتركيا على وجه التحديد وأماكن أخرى بطرق مشروعة أو غير مشروعة هروبا من جحيم النظام السياسي القائم في دمشق المصرّ على البقاء في الحكم رغم إرادة الغالبية العظمى من الشعب السوري.
اللاجئون السوريون تعرضوا لأبشع وأحقر عملية تشويه للأسرة السورية ومع الأسف استخدم حتى الدين الإسلامي لتأكيد تلك العملية التشويهية، منها على سبيل المثال لا الحصر جهاد النكاح، نكاح السترة، نكاح المأوى، نكاح المتعة وغير ذلك من الأساليب، حملة ظالمة تشن على أعراض اللاجئين في مخيمات البؤس في الدول المجاورة، ذئاب بشرية متوحشة تحوم حول تلك المخيمات لاقتناص فريستهم دون رادع أخلاقي أو إنساني.
كل أنواع المقاومة من الجزائر في عهد الاستعمار الفرنسي إلى تونس إلى مصر إبان الاحتلال البريطاني إلى المقاومة الفلسطينية إلى المقاومة اللبنانية إلى المقاومة العراقية، لم تتعرض تلك الحركات لحركة تشويه منظمة كما تتعرض له المقاومة السورية اليوم من حملة إعلامية ظالمة تديرها دول وأحزاب سياسية خاضعة لهيمنة دول. إننا في حاجة ماسة إلى دعم وتأييد كل مقاومة لحكم ظالم مستبد وتنزيه كل رجال المقاومة من الأهواء الشخصية إلى أن يثبت العكس.
آخر القول: الشعوب العربية التي قاست مرارة اللجوء، التي ذكروا أعلاه، عليها أن تلتفت إلى اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في مناطق الشتات ومخيمات البؤس وإحسان معاملتهم والمحافظة على كرامتهم، والله مع الصابرين إذا صبروا.