بلفور الذي تحل ذكرى وعده هذه الأيام لم يعط شيئاً ووثيقته كانت ترجمة لما هو أخطر فالغرب المتحالف مع الصهيونية كحركة سياسية جندت اليهود هو من توافق على أخطر وثيقة تاريخية سبقت وعد بلفور وحتى اتفاقيات سايكس بيكو والتي كانت ترجمة لما جاء في تلك الوثيقة على مستوى التنفيذ..
الوثيقة التي أقصدها والتي لا يعرفها الكثيرون مسؤولة عن ما أصاب العالم كله والشرق الأوسط تحديداً من ويلات وهيمنة واستعمار وتبعية ما زالت مستمرة ومتحولة من مرحلة الغزو العسكري واحتلال الجيوش الى الغزو الثقافي والتعليمي والمعرفي وأخيراً التجسس الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية تعبيراً عن تلك الأفكار الجهنمية الكامنة في وثيقة «كامبل» فما هي هذه الوثيقة ومن يقف وراءها؟
هذه الوثيقة كان وراءها الانجليز تحديداً وقد وضعت تصوراً موحداً للدول الاستعمارية من أجل اقتسام الغنائم بالعالم وقد ولدت هذه الوثيقة في المؤتمر الذي عقد في لندن عام 1905 أي قبل أكثر من قرن وقد استمرت جلسات ذلك المؤتمر سنتين وانعقد بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين ولم يسمح بنشر الوثيقة إلا لاسبوعين في حينه خوفاً من ردة الفعل عليها ولكن بعض المراكز البحثية آنذاك اقتنصتها وجرى تسريبها وممن اطلعوا عليها الكاتب محمد حسين هيكل وقد أسماها في كتابه ممر المفاوضات السرية واسرائيل وثيقة باترمان ..مضمون الوثيقة يتحدث عن ايجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول امد ممكن وقد تقدمت حكومة حزب الاحرار البريطاني في ذلك الوقت بمشروع مقترح حول تلك الآلية وقد ضم المؤتمر آنذاك الدول الاستعمارية آنذاك وهي بريطانيا، فرنسا، هولندا، بجيكا، اسبانيا، ايطاليا ليخرج في النهاية بوثيقة كامبل..(لاحظوا الولايات المتحدة لم تكن آنذاك على المسرح اذ بدأ نفوذها بعد الحرب العالمية الأولى 1918) وكامبل هو رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل باترمان وابرز ما جاء في الوثيقة (أن البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الاسيوية والافريقية وملتقى طرق العالم وايضاً هو مهد الأديان والحضارات) (انظر د. اسماعيل الشطي-الاسلاميون وحكم الدولة الحديثة ص 43)
والمشكلة في هذا الشريان كما مذكور في الوثيقة (انه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان والمقصود طبعاً الشعب العربي وابرز ما جاء في توصيات ذلك المؤتمر الذي أثمر الوثيقة هو (ابقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومتأخرة وخلص المؤتمرون الى ضرورة وقف القتال بين الدول الاستعمارية واقامة منظمة السلام الدولية 1914 لحماية مصالحهم اذ كانت آنذاك بمثابة اتحاد برلماني دولي اذ كان ثلث أعضائها يمثلون الدول البرلمانية الـ (24) القائمة في ذلك الزمن ومع ذلك قامت الحرب العالمية الثانية ومن هنا جاءت فكرة عصبة الأمم التي اتفق عليها في باريس وقد رفضت الولايات المتحدة آنذاك التصديق على ميثاقها أو الانضمام اليها اذ كانت ترى في أعضائها منافسا لها للاستئثار بغنائم الحرب العالمية الأولى حيث انتهى مؤتمر السلام في باريس بالفعل إلى معاهدة فرساي واتفاقية سايكس بيكو ثم وثيقة بلفور وكلها استهدفت منطقتنا وأدت إلى تقسيمها إلى مناطق ذات صبغة قومية أو جغرافية وتفتيتها إلى كيانات قوميات واثنيات وشعوب داخل هذه الكيانات الجديدة بالشكل الذي مهد له مؤتمر كامبل بلندن بين الدول الغربية الاستعمارية وعلى خلفية ذلك وقعت الحرب العالمية الثانية بين أنظمة ديموقراطية –فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة (دخلت شريكاً قوياً بعد مشروع مارشال) وبين الدول الدكتاتورية التي اعتبرت نفسها فقيرة وهي ايطاليا، ألمانيا، واليابان حين رأت محاولات دول الحلفاء انتزاع مستعمراتها مما دفع موسيليني للقول للمعسكر الآخر (ان عصبتكم لا تتصرف الا عندما تسمع العصافير تصرخ من الألم أما عندما ترى العقبان تسقط صريعة فلا تحرك ساكناً) اختفت دول واختفت الصرخة وما زلنا ندفع ثمن وثيقة كامبل التي أحتج السعوديون أخيراً على ثمارها الماثلة في تشكيل منظمات الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الذي قالت رئيسة الوزراء البريطانية تاتشر حين غزت قواتها أرض الأرجنتين في الفوكلاند..»لن يعاقبنا مجلس الامن لأننا نحن من صنعه» ما زال مجلس الأمن وما انبثق عنه يخدم وثيقة كامبل وسايكس بيكو وبلفور والتجسس الأميركي على العالم وإن بمسميات عديدة ومختلفة..