من غير المعقول أن يكون المواطن العربي خاصة، الفلسطيني والسوري، رخيصا الى هذه الدرجة، فهو مقتول في وطنه وخارج وطنه، مهان على الحدود، يعامل كالوباء الخطر، وتصادر حريته ويعتقل لأتفه الأسباب أو يدفع الى الهجرة والفرار من جحيم الوطن العربي الكبير، هذا الوطن الذي تحول إلى جهنم يحرق أبناءه.
المسألة ليست نظرة سوداوية، هي وصف للحال، وتصوير لما يجري من المحيط الى الخليج، ففي سوريا تسفك الدماء صباح مساء، ويقتل الأبرياء دون أن يسأل عنهم أحد، حيث لا أحصاء للجثث والقتلى .. من يدري 100 ألف .. 200 ألف قتيل أو شهيد .. لا أحد يعرف على وجه الدقة، وفي العراق والصومال تحصد آلة الموت عشرات الضحايا يوميا، وفي مصر انقلابيون عاثوا في الأرض فسادا، وأهلكوا الحرث والنسل، وجنرالات خارجون على الدستور والقانون والإرادة الشعبية قتلوا آلاف الأبرياء، وفجروا المنازل في سيناء وقصفوا الناس بالمروحيات، وفي ليبيا اغتيالات يومية واختطافات ومليشيات تتحكم في بلد لا يملك حكومة لديها أي رؤية أو قدرة على الإدارة، وفي فلسطين، سلطة محاصرة في غزة، وسلطة همها التنسيق الامني مع الكيان الاسرائيلي، فيما يهرب الفلسطينيون على متن قوارب الموت إلى بحر ايجة والمتوسط دون ان تكترث بهم سلطة عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية.
هذا الواقع دفع آلاف “المواطنين العرب”، خاصة الفلسطينيين والسوريين، الى ركوب امواج البحر بحثا عن ملاذ وخبز وحرية، فابتلعتهم المياه وتحول البحر إلى مقبرة جماعية، لكن المصيبة أن البحر أبى أن يبتلع هؤلاء “الغلابى” ابتلاعا كاملا، وأبى إلا أن يكون شاهدا على “الجريمة” والمعاناة، فمئات الأشخاص بينهم نساء وأطفال ، و50 جثة شوهدت تطفو فوق الماء، بينها جثث عشرة أطفال، على بعد 100 كيلومتر جنوبي جزيرة لامبيدوزا.
وعشرات جثامين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين مازالت موجودة في حطام سفينة ليبية غارقة قبالة السواحل الإيطالية، على الرغم من مرور ما يزيد عن عشرة أيام من وقت وقوع الحادث، كما كشف المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، ومقره جنيف، وكشف أنه ” لا زال هناك أكثر من مائة جثة في قاع البحر بحطام السفينة الغارقة، دون أن تقوم السلطات الإيطالية بدورها في انتشال الضحايا، بزعم الحاجة إلى موازنة مالية ضخمة تقدر بثلاثين مليون يورو”.
الكارثة الكبرى هي أن المرصد قال “أن السلطات الإيطالية لم تسمح للناجين من اللاجئين من حادث غرق السفينة في مالطا أو في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية المشاركة في دفن الضحايا، حيث قامت السلطات الرسمية هناك بدفن الضحايا الذين تم انتشالهم من قبل الغواصين في بداية الحادثة بمقابر حول صقلية، دون جنازات ودون إعطاء الضحايا وذويهم الحقوق المقرة في عمليات الدفن ومراعاة الشعائر الدينية.
هكذا تحول العرب إلى جثث في بلادهم وجثث فوق البحر وتحت البحر، ترفض إيطاليا انتشالها لأنها مكلفة، أما من ألقت المياه جثته على الشاطئ فيدفن بلا صلاة أو جنازة لأنه باختصار .. عربي لا يساوي شيئا ولا قيمة له..
ترى هل كان نزار قباني محقا عندما كتب قصيدته الشهيرة:” متى يعلنون وفاة العرب”
أحاول رسْمَ بلادٍ
تُسمّى – مجازا – بلادَ العربْ
سريري بها ثابتٌ
ورأسي بها ثابتٌ
لكي أعرفَ الفرقَ بين البلادِ وبين السُفُنْ…
ولكنهم…أخذوا عُلبةَ الرسْمِ منّي.
ولم يسمحوا لي بتصويرِ وجهِ الوطنْ…
وحينا رسمت بلون الغضبْ.
وحين انتهى الرسمُ، ساءلتُ نفسي:
إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ…
ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟
ومَن سوف يبكي عليهم؟
وليس لديهم بناتٌ…
وليس لديهم بَنونْ…
وليس هنالك حُزْنٌ،
وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!