د.فايز رشيد/إسرائيل تضيّق الخيارات للفلسطينيين والعرب

بدايةً من الضروري الإيضاح بأن إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب بشكل عام تنطلق منذ قيامها وحتى اللحظة من منطق القوة والاخضاع والابتزاز على قواعد وأسس من العنجهية والاستعلاء والتفوق،وهذه ليست صفات مُكتسبة إسرائيلياً لكنها محددات أساسية, مرتكزات لأبعاد تربوية للحركة الصهيونية في ايجاد الأجيال المتتابعة التي تزداد تطرفاً والتصاقاً بهذه المرتكزات في تعاملها مع العرب(الأغيار).هذه قضية أساسية يجب استيعابها من قبل كافة الأطراف المتضررة (والفلسطينيون والعرب متضررون) من الوجود الصهيوني الإسرائيلي! هذه المسألة لابد من معرفتها وإدراكها كسمة وجودية في العقلية الإسرائيلية, وعدم إدراكها يؤدي بأصحاب من لا يدركونها إلى خلل بنيوي تحليلي بالمعنيين الاستراتيجي والتكتيكي في مجابهة المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وبالتالي إلى مزيد من الهوّة في ميزان القوى القائم مع إسرائيل, والتي باعتمادها على هذه الأسس كسبت المزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية المتدرجة على طريق الصراع التاريخي القائم في المنطقة.
وللتوضيح نقول: في كل تاريخها فإن إسرائيل ارتكبت كافة أشكال العدوان ضد الفلسطينيين والعرب بشكل عام. وبدلاً من ان تؤدي هذه الطريقة بهم إلى اعتماد أساليب القوة والرد بنفس النهج, نراهم يتبنون ما يسمى بـ ( استراتيجية السلام) مع إسرائيل، ولكن كيف قابلت الأخيرة التنازلات الرسمية الفلسطينية, والتي عبّرت عن نفسها في اتفاقيات أوسلو, وتحول استراتيجي لدى القيادة المتنفذة الفلسطينية من تحرير كامل التراب الفلسطيني إلى دولة يجري إنشاؤها على حدود عام 1967, وكيف قابلت التنازلات الرسمية التي عبرّت عن نفسها في اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، وفيما بعد ما سمي” باستراتيجية السلام العربية ” المعبّر عنها في”مبادرة السلام العربية “التي اقترحتها قمة بيروت في عام 2002؟ إسرائيل قابلت كل ذلك بالمزيد من التشدد والمزيد من ابتزاز التنازلات الفلسطينية والعربية بشكل لا تنطفئ معه شهية الاشتراطات الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال لا الحصر نقول: بعد كل التنازلات الفلسطينية،يشترط نتنياهو على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية ” دولة إسرائيل ” كثمن حتى للتسوية الإسرائيلية معهم (وليس قيام الدولة العتيدة بالمفهوم الفلسطيني، وإنما بالمفهوم الإسرائيلي لها) ورغم مبادرة “السلام العربية” التي أظهرت الدول العربية استعدادها للاعتراف الرسمي بإسرائيل, ورفع أعلامها في عواصمها, والتطبيع معها, ومن دون حق العودة للفلسطينيين مقابل الانسحاب من حدود عام 1967 والقبول بإنشاء دولة فلسطينية. كان الرد الإسرائيلي بالرفض ” فالسلام مع العرب هو مقابل السلام” ودون أية أثمان تدفعها إسرائيل. تطور الأمر إلى مقايضة إسرائيلية: حقوق الفلسطينيين مقابل حقوق اليهود الذين عاشوا في الدول العربية، وإنشاء هياكل للمطالبة بحقوقهم حتى على صعيد الأمم المتحدة. تطور الأمر أيضاً إلى المطالبة والمزاوجة بين العقلية اليهودية والأموال العربية, وكأن العرب لا عقول لهم، أنما فقط يمتلكون الأموال (تصوروا العنصرية؟!) مؤخراً طرح نتنياهو ضرورة التحالف الإسرائيلي ـ العربي في مواجهة قضايا كثيرة وفي مقدمتها المشروع النووي الإيراني. بالتأكيد لو أن الفلسطينيين والعرب استجابوا للاشتراطات الإسرائيلية بكاملها فسيتفتق الذهن الإسرائيلي الصهيوني الشايلوكي عن اشتراطات جديدة عليهم قبل إنجاز أية تسويات معهم.
القضية الثانية المحددة للوجود الإسرائيلي, والتي هي عبارة عن محدد ومرتكز رئيسي آخر لهذا الوجود هي استحالة أن تتواجد إسرائيل في المنطقة دون حروب، لأن السلام وإسرائيل خطّان متوازيان لا يلتقيان. في التاريخ اليهودي كما يؤرخه العديدون من المؤرخين اليهود ( منهم إسرائيل شاحاك في كتابه ” التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، ثلاثة آلاف سنة”) فإن الحاخامات حرصوا على ربط مصالح القيادات اليهودية بمصالح الطبقات الحاكمة في كل الدول التي عاشوا بين ظهراني شعوبها, وكانوا جزءاً من أدوات القمع لهذه الشعوب.فيما بعد ظهرت الحركة الصهيونية وحرص قادتها منذ مؤتمرها الأول في بازل عام 1897 وفيما بعد في مؤتمر كامبل – بنزمان في عام 1908 على ربط وجود هذه الحركة مع المصالح الاستعمارية على صعيد العالم أجمع وبخاصة في المنطقة العربية (بسبب أن الرأي استقر على إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين). وبالفعل مثّلت الحركة الصهيونية هذه المصالح وكانت جزءاً رئيسياً منها (بريطانيا من قبل وكذلك مع الولايات المتحدة وفرنسا فيما بعد ومع كافة الدول الاستعمارية الأخرى).المنظمات الإرهابية الصهيونية (قبل إنشاء إسرائيل) كانت حريصة على ربط مصالحها بالمصالح الاستعمارية، كما إسرائيل فيما بعد،جعلت من وجودها جسراً متقدماً للمخططات الإمبريالية للمنطقة، وشرطياً ضارباً باسم تلك المصالح فيها.الدليل على صحة ما نقوله هو التاريخ الإسرائيلي نفسه: الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الدول العربية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن العدوان الثلاثي الإسرائيلي- البريطاني – الفرنسي على مصر في عام 1956 لم يكن له أية مبررات، سوى أن الزعيم الوطني عبد الناصر قام بتأميم شركة قناة السويس العالمية،ومصرّها تماماً.كذلك هو عدوان عام 1982 على لبنان واحتلال جزءٍ كبير من أراضيه.
إسرائيل بررت عدوانها بمحاولة الفلسطينيين اغتيال السفير الإسرائيلي في بريطانيا موشيه أرغوف,ليتبين من الكتابات والوثائق الإسرائيلية بعد مرور 30 عاماً على الحادثة أن الفلسطينيين لم يكن لهم دخل بمحاولة اغتياله, وأن الحادثة تمت في ظروف غامضة وربما إسرائيل قامت بمحاولة قتل سفيرها،فتاريخها والمنظمات الإرهابية الصهيونية والحركة الصهيونية حافل بالاعتداء وقتل يهود من أجل كسب العطف العالمي واستعمال ذلك كمبررات لتنفيذ اعتداءات اسرائيلية. إسرائيل وقفت مع الولايات المتحدة في حربها العدوانية على فيتنام, ووقفت مع الدكتاتور التشيلي بينوشيت بعد انقلابه على حكومة الليندي الشرعية والمنتخبة شعبياً, وامتلكت أفضل الوشائج مع حكم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا, وعلى ذلك قِسْ.
القضية الثالثة المتوجب إدراكها فلسطينياً وعربياً: أن إسرائيل لا تستجيب سوى إلى لغة القوة. لقد ثبتت دقة هذا المفهوم فلولا الثورة الفلسطينية المسلحة لما اعترفت بالوجود الفلسطيني ,ولولا حرب أكتوبر في عام 1973 لم تتزحزح عن متر من الأراضي العربية، ولولا المقاومة الوطنية اللبنانية لما انسحبت من الأراضي اللبنانية في عام 2000، ولولا صمود هذه المقاومة لأعادت احتلال الجنوب اللبناني بكامله في عدوان 2006، ولولا صمود المقاومة الفلسطينية وامتلاكها لصواريخ تطال أهدافاً إسرائيلية لما وافقت على وقف إطلاق النار.
القضية الرابعة: في السابق أيضاً فإن إسرائيل تطورت باتجاه المزيد من العنصرية والتطرف، هذا ما لا نقوله نحن وإنما استطلاعات الرأي الإسرائيلية نفسها، والتي تؤكد أنه في العام 2025 فإن غالبية الإسرائيليين 65% سيكونون من المتدنيين الدينيين ,وهؤلاء ما زالوا يتمسكون”بأرض إسرائيل الكبرى”ودولة إسرائيل في أذهانهم من النيل إلى الفرات.
يبقى القول: أن هذه القضايا الأربع هي غيض من فيض الأسس والمرتكزات للوجود الإسرائيلي، بالتالي فإن العرب والفلسطينيين مطالبون بوضع نهج استراتيجي جديد في التعامل مع إسرائيل، فبالمعنى الاستراتيجي فإن الدولة الصهيونية هي التي تقوم بتضييق الخيارات أمامهم.

د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري