سمير الحجاوي/عيد العرب بلون الدم

في عيد الأضحى ينتظر المسلمون الفرح، ويتطلعون إلى ساعات من الحبور والسرور، فهذا العيد مرتبط بشعائر تربط الدنيا بالآخرة، وتربط الإنسان بخالقه، فهو عيد للتضحية في سبيل، عيد تراق فيه دماء الأضاحي تقربا إلى الله تعالى، كما فعل إبراهيم عليه السلام، وكما فعل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.. عيد تتقارب فيه الأفئدة وتبتعد ولو لهنيهات عن الكد والكدح والتعب والشقاء، وتتجه الأنظار إلى بيت الله الحرام وإلى جبل عرفات حيث يتضرع الحجاج إلى المولى عز وجل بطلب الخير والمغفرة والجنة، وأن يعود كل واحد كما ولدته أمه بلا خطايا أو أخطاء، ليفتح صفحة جديدة في الحياة عنوانها الأمل والرجاء بما هو أفضل وأجمل وأكثر سعادة.

ولكن للأسف فإن واقع العرب والمسلمين يغرق في وحول الدماء والدموع، وبدل أن تصطبغ الأرض بدماء الأضاحي تقربا إلى العزيز القدير، تسيل في دماء المسلمين في الشوارع والميادين كالأنهار في سوريا والعراق ومصر وفلسطين والصومال وأفغانستان وباكستان واليمن وميانمار “بورما”..

يحل عيد الأضحى بينما يعاني الشعب السوري من القتل والإرهاب على يد نظام مجرم بلا أخلاق ولا قيم.. نظام قتل حتى الآن ما يزيد على 120 ألف سوري وجرح ما يزيد على نصف مليون آخرين، وعاث في الأرض فساد، وأهلك الحرث والنسل، وحرق البيوت والمزارع، وقصف الأبرياء بالأسلحة الكيميائية، وارتكب 500 مجزرة دامية لم تشهد لها البشرية مثيلا من حيث الكثافة في فترة زمنية قصيرة قتل الأطفال والنساء دون أن يحاسبه أحد على جرائمه.

وفي مصر صبغ الجنرالات الانقلابيون وحلفاؤهم العلمانيون الليبراليون واليساريون والقوميون الميادين بدماء المصريين المدافعين عن الحرية والكرامة والعدالة والشرعية، الرافضين لحكم العسكر والفلول وأذناب الغرب والأموال القذرة.. هؤلاء الانقلابيون الدمويون ارتكبوا مجازر إرهابية عند الحرس الجمهوري والإسكندرية وميدان رابعة العدوية والنهضة وجرفوا الجثث بالجرافات وحرقوا جثث الشهداء ونقلوها إلى أماكن مجهولة، واعتقلوا أكثر من 15 ألف إنسان من معارضيهم.

يحل العيد ولا تزال فلسطين تحت الاحتلال، وقطاع غزة تحت الحصار الخانق من قبل اليهود الإسرائيليين والانقلابيين المصريين، حصار حول غزة إلى قفص أو إلى أكبر سجن في الهواء الطلق دون أن يحرك العرب أو العالم ساكنا من أجل رفع هذا الحصار الظالم.

فلسطين لا تعاني من الاحتلال اليهودي الإسرائيلي الصهيوني فحسب، بل تعاني من سلطة تسلطت عليها، سلطة لا تمثل إرادة الشعب الفلسطيني وتطلعاته، سلطة يتباهى رئيسها محمود عباس ميرزا بأنه ينسق مع الكيان الإسرائيلي بنسبة 100 في المائة ويتنازل عن حق العودة ويعزي بالحاخام اليهودي المتطرف عوفاديا يوسف الذي لا يرى “العرب أكثر من صراصير يجب أن تسحق أو توضع في قنينة”، يقدم التعازي به ولا أدري ما الذي يربط بين عباس ميرزا وهذا الحاخام البغيض.

يأتي العيد والعراق يرزح تحت حكم طائفي بغيض، يحكم فيه الشيعة الخناق على بلاد الرافدين، التي تحولت إلى مسلخ مفتوح، فلا تكاد تمر ساعة أن انفجارات وقتلى وجرحى وإعدامات.. طائفيون خربوا العراق وأحالوه إلى رماد وخرب ويباب.

لا نذكر العراق في عيد الأضحى إلا ونتذكر إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين يوم العيد.. رئيس مسلم يعدم صبيحة يوم العيد من قبل أناس قالوا إن هذا العيد ليس عيدنا، إنه عيدكم، ولا يعنينا في شيء.. إنهم يقولون “لكم رب ولنا رب..فربكم غير ربنا”.. هل يمكن أن يمحو التاريخ هذه الذكرى، وهل يمكن أن ينسى المسلمون دماء رجل أعدم في يوم كان يفترض أن يكون يوم فرح.. التاريخ لن ينسى ذلك.

كثيرة هي الهموم في عالمنا العربي، ونكذب على أنفسنا وعلى الآخرين إذا أغفلنا النظر عما يجري حولنا وعما تعرض له، فالعالم العربي يعيش تحت وطأة الفقر والفاقة والبطالة والحرمان والاستعباد والطغيان والقتل، دماء تجري في الصومال دون أن تثير انتباه أحد، وطائرات أمريكية بلا طيار تقنص الرؤوس في اليمن، وقتل بلا معنى في ليبيا واحتراب حتى الاختناق في لبنان.

يحل علينا العيد وإعلامنا سادر في غيه، مستمر في ضلاله وكذبه، تنفق عليه الملايين من أجل التزوير والكذب والتلفيق، يستخدم ضد الأمة بدل أن يستخدم لصالحها، وهذا لعمري في القياس عجيب.. الأمم تستخدم أموالها وإعلامها من أجل مصالحها وخير أبنائها، وحكوماتنا تستخدم أموالنا من أجل تمويل الانقلابات وعرقلة سعي الشعوب العربية نحو الاستقلال والحرية.

هذا هو الواقع المر الذي نعيشه، وهو واقع نأمل أن يتغير وأن تنجح العرب بتخطيه إلى الأفضل، رغم الصعوبات الكثيرة..

لكن وعلى أي حال نفرح بالعيد ونفرح بالتقرب إلى الله.. وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعتكم ونصر الأمة العربية الإسلامية على أعدائها من الداخل والخارج.

Related posts

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني

هل ستؤثر إدارة ترامب على مسار حروب نتنياهو؟* د. سنية الحسيني